| زينب حمود |
تتصرف السلطات المحلية «على هواها» في مسألة استقبال النازحين من الجنوب والضاحية الجنوبية ومناطق أخرى تحسباً لتوسع الحرب مع العدو الإسرائيلي، من دون أي توجيه أو رقابة من السلطة المركزية في وقت حساس جداً تمر به البلاد. بلديات تفتح بيوتها وقلوبها للنازحين وأخرى تستعجل القول لهم إنه «غير مرحب بكم بيننا»، فتمنع تأجيرهم أو حتى استضافتهم وتمهل الواصلين 48 ساعة للمغادرة والبحث عن ملجأ آخر. ولأن أماكن النزوح ليست كلها «متاحة»، تُقسَّم خريطة النزوح في لبنان بحسب الانتماء السياسي والطائفي لكل منطقة، وتوجهات رئيس بلديتها وموقفه من حزب الله والحرب مع إسرائيل، والأهم من ذلك كله درجة الإنسانية والأخلاق التي يتحلى بها.قبل أيام، وبطريقة مباغتة، عمّمت بلدية فالوغا (قضاء بعبدا) على جميع الأهالي «عدم تأجير أي جهة لبنانية وغير لبنانية، إلا بعد الاطلاع على هوية المستأجر والتأكد من سجله وموافقة البلدية مسبقاً»، متذرعة «بالمحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة».
بهذه الطريقة، تصرفت بلدية فالوغا تجاه «الأوضاع الأمنية الصعبة التي تمرّ بها البلاد وتؤدي إلى توافد أعداد كبيرة من المواطنين من مدن وقرى لبنانية مختلفة»، على حدّ قولها، «من دون تسجيل أي حادثة في المنطقة «أخلّت بالأمن والاستقرار»، كما يؤكد رئيس جمعية «وتعاونوا» عفيف شومان الذي تولّى إدارة خطة النزوح بالتنسيق مع حزب الله، علماً أنّه «لا يوجد في الأصل نازحون في فالوغا مسجلون في خلية الأزمة، وإذا كان هناك عائلات توجهت من تلقاء نفسها فعددها ضئيل جداً لأنه في العادة حتى هذه العائلات تحدد وجهتها بالتنسيق معنا».
إذاً، لا تبرير لتعميم رئيس بلدية فالوغا «القوتجي» جوزيف أبو جودة غير التحريض على بيئة المقاومة، وهو قد مرّ مرور الكرام من دون أن يستوقف أي جهة حكومية ولا سيما وزارة الداخلية والبلديات التي حاولت «الأخبار» التواصل معها من دون أن تحصل على جواب، وخصوصاً أنّ نموذج «فالوغا» ليس استثناء، فـ«هناك بلديات أخرى لا تمنع الإيجار فقط، بل تمنع استضافة النازحين في منازل أقاربهم وأصحابهم في البلدة، بمعنى آخر لا تقبلهم مستأجرين ولا ضيوفاً وتضيّق عليهم»، وفق شومان، «ما يتطلب إصدار وزارة الداخلية تعميماً عاجلاً لوضع البلديات عند مسؤوليتها الوطنية وخصوصاً على صعيد استقبال النازحين وعدم استغلالهم بإيجارات المنازل المضخمة».
من جهته، يؤكد وزير البيئة ناصر ياسين المكلّف تنسيق «خطة الطوارئ الحكومية» أن «لا سلطة للبلديات بأن تسمح أو لا تسمح للنازحين بدخول مناطقها، وتتوقف سلطتها عند تسجيل عقد الإيجار فقط، ولا تتمتع بسلطة مطلقة خارج توجيه الحكومة، وخصوصاً في هذا الوقت الحساس». ويؤكد أن «اتخاذ بعض البلديات إجراءات للتضييق على النازحين أمر غير قانوني إلى جانب أنه غير أخلاقي، ويستوجب موقفاً فورياً من الحكومة، وتحديداً عبر وزارة الداخلية والبلديات، لتلافي هذه الأحداث قبل أن يحصل أيّ تهجير قسري لا سمح الله». ويؤكد أنه «لا يمكن إجبار الأفراد على تأجير منازلهم للنازحين أو استضافتهم، لكن، من غير المقبول أن يصدر عكس هذا الشيء عن البلديات». لذلك «أثرتُ الموضوع أثناء جلسة مع المحافظين أمس لمناقشة تجهيز مراكز الإيواء في حال حصول تهجير قسري، وسأعيد طرحه خلال جلسة مجلس الوزراء الأربعاء المقبل».
بناءً على ما سبق، وبعد دخول الضاحية الجنوبية دائرة التهديد، تتوجّه إبرة بوصلة النزوح إلى المناطق الشيعية بالدرجة الأولى ولا سيما في بعلبك ـــ الهرمل، إضافة إلى التعاون الكبير الذي أبداه كلّ من تيار المردة والحزب التقدمي الاشتراكي في مناطق نفوذهما، «في زغرتا مثلاً، وتحديداً في مرياطة، هناك مأوى لحوالي 50 عائلة، وفي عاليه والشوف لم نواجه أي مشكلة ولم تسجل أية اعتراضات على العائلات النازحة»، يقول شومان.
وانعكس التضامن في مواقف رؤساء البلديات «الدرزية» التي دعت إلى «استقبال النازحين أفضل استقبال، واعتبارهم ضيوفاً، والتعامل معهم بما تقتضيه تقاليدنا في حسن الضيافة». مقابل الخصوم، «المحبّون كثر»، وفق شومان، «فخريطة النزوح تمتد من عكار وطرابلس والكورة إلى جبيل وزحلة والبقاع الأوسط، ولا نتحدث هنا عن مبادرات فردية فحسب، بل عن تعاون مئات البلدبات وخصوصاً في الشمال، إذ يتصلون بنا ويعرضون علينا منازل لإيواء النازحين من دون بدلات إيجار». ويتوقف شومان عند «الاستعداد الكبير لدى أهالي عكار لاستضافة النازحين بما في ذلك تيار المستقبل والبلديات والمخاتير والفعاليات المحلية والمجتمع المدني وجماعة الثورة ووجهاء المناطق والشخصيات النافذة»…
المدارس آخر الخيارات
لم تندرج الضاحية الجنوبية بعد ضمن المناطق التي تستدعي إخلاء سكانها، وعليه ينصح رئيس جمعية «وتعاونوا» عفيف شومان الذين غادروها تحسباً لأي تطور عسكري: «ابقوا في منازلكم، وعندما يحين الوقت، لا سمح الله، لن تُتركوا لمصيركم، فهناك جهات خطّطت للنزوح ولن ترسلكم من دون الحفاظ على أمانكم، بل ستكون معكم منذ الانطلاق حتى الوصول وستجدونها على الطرقات حيث تنزحون». ورداً على من يسارع إلى استئجار منزل تجنباً للنزوح في مراكز إيواء مثل المدارس، يقول: «لدينا الكثير من الخيارات للنزوح، وستكون المدارس آخرها»، مطمئناً بأنه «إذا دخلت الضاحية دائرة الاستهداف فلن تقع كل المناطق تحت الخطر الذي يستوجب الإخلاء. الناس تستعيد مشاهد حرب تموز وتعززها بالمجازر التي تُرتكب في غزة من دون الأخذ في الحسبان أن بنك أهداف العدو مختلف اليوم عما كان عليه عام 2006، بفعل قواعد الاشتباك التي فرضتها المقاومة، والتي تجبر العدو على تجنّب استهداف المدنيين مباشرة».