| هيام القصيفي |
مع التسليم بالدور الأميركي في تطورات المنطقة، يعاود الدور الفرنسي الظهور على خط الصراع بين إسرائيل وحماس، فيما تنكفئ روسيا تحت وطأة الهجوم الأوكراني بدعم غربي.
مع تفعيل الدور الأميركي على خط الاتصالات القائمة لمنع الانجراف نحو حرب واسعة، ثمة كلام أميركي عن أن الاتصالات مع لبنان تأخذ بعداً مختلفاً قائماً على فكرة تسهيل قنوات التواصل لفتح ثغرة تمهّد لتخفيف التوتر وسحب أي نية بالتصعيد من جانب “حزب الله”، ما يجعل ممكناً عزل أي عمل عسكري وتبريد المنطقة بعد أيام من الشحن والتوتير. أخذ الأميركيون دعماً وتفويضاً أوروبييْن إضافييْن بعد البيان الأوروبي الثلاثي، الفرنسي – البريطاني – الألماني، وهذا من شأنه أن يضاعف، في رأيهم، حذر إيران و”حزب الله” للجم أي توسع في الردود المنتظرة والتي يمكن أن تتفلّت في اتجاه توسع دائرة العنف. والدور الأوروبي الذي أعيد تنشيطه على وقع المخاوف من الحرب أعاد تسليط الضوء على ما تقوم به الدول الثلاث وروسيا من جهة أخرى.
لكل من فرنسا وروسيا دورُها في المنطقة، ولكن لكل منهما أيضاً انشغالاتها في اللحظة التي تمر فيها المنطقة في أدقّ مرحلة في تاريخها الحديث. لكن الأيام الأخيرة حملت تنشيطاً للدورين من اتجاهين مختلفين، مع تسليم حلفاء “إسرائيل” بأن اللحظة المفصلية تعيد إلى الدور الأميركي أولويته في إدارة الاتصالات وإيجاد الحلول ولو المؤقتة، في مقابل تحميل إيران – رغم الاتصالات غير المباشرة مع واشنطن – الولايات المتحدة مسؤولية تأجيج الصراع بالحشد العسكري في المنطقة وتغطيتها ما تقوم به “إسرائيل”.
مع انتهاء الألعاب الأولمبية، عادت فرنسا إلى معالجة همومها الداخلية، بدءاً بتشكيل حكومة جديدة، بعد النتائج الخارجة عن المألوف للانتخابات البرلمانية في دورتيها الأولى والثانية، وبعدما انشغلت عما يحصل في المقلب الآخر من المتوسط، حيث خرج الصراع العسكري بين “إسرائيل” و”حماس” و”حزب الله” وإيران عن الخطوط المرسومة التي كانت لا تزال الأطراف جميعها تلتزم بها.
لبنانياً، يعطي خروج فرنسا من الصورة بعداً آخر، يتعلق بدورها السياسي على جبهتين، الحرب ورئاسة الجمهورية. وإذا كانت الثانية عُلّقت بفعل توقف مهمة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان (التي لم يعد يأتي أحد على ذكرها) وعمل اللجنة الخماسية، فإن الأولى تفرملت بفعل الوضع الحكومي الفرنسي الذي عطّل مبادرات وزارة الخارجية بعد حركة دبلوماسية كثيفة بين “إسرائيل” وإيران ولبنان، في انتظار رسم سياسة خارجية مع الحكومة الجديدة.
لكنّ البيان الذي خرجت به الدول الثلاث، أظهر تموضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في سياسته الخارجية من دون أي التباس إلى جانب “إسرائيل”، مكرّساً مع بريطانيا وألمانيا التحالف الغربي الذي تأكّد منذ 7 تشرين الأول، وأظهر وجهه في أكثر من محطة مفصلية، كاد الصراع يتحول فيها إلى حرب واسعة.
وإذا كانت ألمانيا نشطت في المنطقة بفعل دور استخباراتي مؤثّر مع الأطراف المعنيين، إلا أنها حافظت على مسافة من أي تورط في التزامات إلى جانب إيران وحزب الله. كما أظهرت بريطانيا، سواء مع حكومة العمال أو المحافظين، انتهاجها السياسة نفسها إزاء التحالف مع الولايات المتحدة وإظهار تضامنها مع “إسرائيل”. وتزامناً، كثّفت هذه الدول اتصالاتها مع لبنان، سياسياً واستخباراتياً، لدفع لبنان الرسمي، ومن خلفه “حزب الله”، إلى التعامل بواقعية مع التطورات العسكرية وعدم جرّ لبنان إلى الحرب. وترتكز هذه الدول في قاعدة أساسية على التنسيق المستمر مع واشنطن التي تقود الاتصالات الغربية ولا سيما مع إسرائيل، لتحقيق توازن بين ما تريده “إسرائيل” – وربما واشنطن أيضاً – في الذهاب بعيداً في كسر “حماس” و”حزب الله”، وما تريده الدول الأوروبية بعدم تحول الصراع مع الحركة والحزب إلى حرب مفتوحة، ولو تحت سقف التضامن المطلق مع “إسرائيل”.
من جهتها، لم تدخل روسيا على خط الأزمة اللبنانية مباشرة. لكنها، منذ اندلاع الصراع بين “إسرائيل” و”حماس” ومن ثم حرب المساندة، وقفت موقفاً دقيقاً بعدم تأييد ما تقوم به إسرائيل أو حماس، من دون أن تقطع خيط الاتصالات مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبالتأكيد مع حماس، في وقت رأت دول أوروبية في موقف موسكو رغبة في تحييد النظر عن حربها مع أوكرانيا.
لكن بدا لافتاً أخيراً، بعد عمليتي الاغتيال في إيران ولبنان، أن روسيا التي تقف إلى جانب إيران، وحرصت على إظهار رغبتها بعدم توسع الحرب نتيجة أي رد إيراني على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. وإذا كانت المعلومات الغربية تتحدث عن رسائل روسية واضحة إلى طهران بعدم تصعيد الموقف، ما يؤدي إلى تفلت الوضع في المنطقة إلى نقطة اللارجوع، جاء الهجوم الأوكراني على كورسك، في توقيت ملتبس، بدعم غربي وأميركي واضح، ليعطي موسكو رسالة تحذيرية بعدم التورط أكثر في الجانب الإيراني. وهذا من شأنه أن يشغل روسيا أكثر في المرحلة التي يعاد فيها تنشيط الدور الأوروبي عسكرياً وسياسياً، متقاطعاً مع الدور الأميركي الذي يوازن بين الاتصالات والوجود العسكري في المنطقة دعماً لـ”إسرائيل”.