| رنا منصور |
حافظ أبناء الضاحية الجنوبية على تماسكهم طيلة 10 أشهر من حرب “جبهة الإسناد” لقطاع غزة من جنوب لبنان. كان هاجس تمدد الحرب نحو الضاحية ضعيفاً، وإن لم يكن مستبعداً. لكن الرهان كان على انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، كي يحصل وقف لإطلاق النار في جنوب لبنان، وكذلك لكي تتبدّد هواجس تمدّد الحرب.
فجأة، خرق العدوان الصهيوني “قواعد الاشتباك” القائمة منذ 10 أشهر في “حرب الإسناد”، وخلافاً لكل التأكيدات الغربية بأن لا نية لدى العدو الإسرائيلي بخرق هذه القواعد. اغتيال القائد العسكري في “حزب الله” الشهيد فؤاد شكر، وفي قلب الضاحية الجنوبية، وتدمير بناية سكنية مدنية.
بعد ساعات قليلة من العدوان على حارة حريك، اغتال العدو الإسرائيلي رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الشهيد إسماعيل هنية، في طهران، حيث كان يشارك في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
ارتفع منسوب الهواجس، خصوصاً مع قرار “حزب الله” بالرد على هذا الاغتيال، وقرار إيران بالثأر لاغتيال هنية على أراضيها، ثم قرار حركة “أنصار الله” في اليمن الرد على العدوان الصهيوني على اليمن.
بدأت احتمالات توسّع الحرب تتصاعد، وهو ما دفع سكان الضاحية للتفتيش عن مكان خارج دائرة الحرب، والبحث عن منازل للإيجار في مناطق أكثر أمانًا، بعيدًا عن دوي أصوات الحرب وحديث الجيران المتسائلين: “في حرب؟”
لكن المشكلة لم تقتصر على ندرة الخيارات، بل تفاقمت بسبب جشع “تجار الأزمة” الذين رفعوا أسعار الإيجارات بشكل غير مبرر، من 500-300 دولار إلى أكثر من 1500 دولار!
وللتأكد من “موجة” الاستثمار بالأزمة، اتصل موقع “الجريدة” بأحد المكاتب العقارية للاستفسار عن شقة في بلدة صوفر ـ قضاء عاليه، فكان الجواب أن الإيجار الشهري هو 1700 دولار، بالإضافة إلى عمولة المكتب.
كما عُرضت شقق سكنية في مختلف مناطق قضاء جبل لبنان بأسعار تراوحت بين 1500 و2300 دولار.
أحد المكاتب العقارية عرض شقة في عاليه بسعر 1400 دولار شهريًا مع دفع 3 أشهر مقدمًا، لكنه أفاد بعد الاتصال به أن الشقة تم تأجيرها!
بعد الاغتيالات، تراجعت الحركة في الضاحية الجنوبية، وخفّ تحرك المواطنين في أسواقها ومحلاتها، وسجّلت الحركة التجارية تراجعاً حاداً.
انقسم “النازحون” من الضاحية إلى فئتين:
الأولى، المقتدرة ماليًا، تمكنت من استئجار شقق في مناطق بعيدة أو حجز غرف في الفنادق أو الشاليهات.
مثلاً، أقفل “ع. أ.” صالون التجميل الذي يملكه في الضاحية، وغادرها مع عائلته إثر اغتيال الشهيد شكر مباشرة، وتوجه إلى البترون حيث استأجرغرفة في فندق بالمنطقة بسعر 100 دولار لليلة.
لكن محاولات بعض سكان الضاحية البحث عن شقق للإيجار خارجها، لم يكن أمراً سهلاً، فبالإضافة إلى الاستغلال المالي، فوجئوا برفض بعض المناطق تأجير أبناء الضاحية الشقق المعروضة للإيجار أصلاً، وتبيّن أن الشقق تُعرض لمن يقول إنه من خارج الضاحية.
والفئة الثانية، التي لم تستطع تحمل تكاليف الإيجارات المرتفعة، إما أنها غادرت باتجاه الأقارب والأصدقاء في البقاع أو الشمال أو حتى العاصمة بيروت.
لكن هاتان الفئتان قلّة من مئات الآلاف الذين يقطنون في الضاحية ولا حول لهم ولا قوة، والذين بقوا في بيوتهم، متحملين عبء القلق ورهانهم على عدم توسّع الحرب وتمدّد دمارها إلى الضاحية، خصوصاً في ظل تأكيد السيد حسن نصر الله أن “حزب الله” لا يريد الحرب، وإن كان جاهزاً لها.
مع ذلك، هناك مزاج عام في الضاحية يرفض مغادرتها، ويؤكد الانتماء لها، ويؤمن أن لا مهرب من القدر.
ولذلك، فإن “النزوح” من الضاحية لم يتحوّل إلى موجة، وهو ما زال “بالمفرّق”، ربما بسبب ضعف الإمكانيات، وربما رفضاً للنزوح، وبالتأكيد رفضاً للإهانة التي أصابت من حاول البحث عن ملاذ آمن في منطقة كان يفترض أن تحتضن شركاءهم في الوطن في الأوقات الصعبة.
في النتيجة، ما زال غالبية أبناء الضاحية في منازلهم، يصرّون على صمودهم فيها.. مهما كان الثمن.