|علي فضّة|
أحيانًا كثيرة تحيطنا السرديات من كل جانب، كحكايات ما قبل النوم. يتشكل لدينا مفهوم، سرعان ما يندثر مع مرحلة النضوج. هذه المرحلة لا تقاس بالضرورة بعدد السنيين، بل بتجلّي حقائق، إذا أردنا تجذيرها تصبح يقيناً، ذاك بمعزل عن البعد الإيماني والعقائدي. أتحدث عن المعرفة بأبعادها كافة… وعلى سبيل الحصر والمثل في هذا المقال، “إسرائيل” الأوهن من بيت العنكبوت، الذي رغم وهن بيته الذي يؤويه، إلا أنّ هناك من يخافه، والأغبى من شخصيّة هاني رمزي بفيلم “غبي منه وفيه” ـ هكذا ما خطر ببالي كتوصيف.
بعد حادثّة مجدل شمس في الجولان السوري المُحتل، كان يبدو أنّ الاستثمار في التضليل والتدليس يأخذ منحى “ذريعة”، وعندما نقول “ذريعة” اصطلاحاً اليوم، لم تكن مفردة نستخدمها في الأمس، سيما بمقارعتنا للعدو الإسرائيلي، أي أنّه كان يفعل ما يريد ومتى شاء من دون أدنى مقومات الذريعة، ليس ذلك تفصيلًا عابرًاً، لكن …
بيت القصيد اليوم مختلف، هو استهداف عاصمتين محوريتين، واغتيال قادة كبار في محور المقاومة: طهران وبيروت.. الشهيدان، ومن معهم من الشهداء، القيادي الكبير في “حزب الله” الحاج فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة.
الأسئلة التلقائية كـ”المجيب الآلي”، يبدأ، هل هناك رد وما هي نوعيته؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ هل هناك تغيير في قواعد الاشتباك؟ حربً مفتوحة؟… أسئلة، منها مشروعة وخبيثة في آنٍ معًا، بحسب سائلها، منهم من يريد الاستدلال، والبعض للسخريّة! ومنهم المتوقع والعارف والفاهم، والأهم المدرك.
“طوفان الأقصى” و”جبهات الإسناد”
قبل البدء، لنضع ثابتة، كل من ارتضى لنفسه السير في درب المُقاومّة، هو يدرك المصير المنتظر، هم مشاريع شهادّة، يعلمون ذلك، وتنظيمهم يعمل وفق هذه الثابتة، أي أنهم في أيّ لحظة معرضون. لذلك، كافة المهام، مهما بلغت من حساسيّة وأهميّة، لا تتوقف أو تحصر بشخص.
آن الأوان لتفسير التعريفات من جديد. مثلًا “مساندة” “إشغال”.. ليسوا كذلك بالمعنى الحرفي، إذا ما نظرنا إلى الأحجام، أي حجم الإسناد وطريقة الإشغال منذ اللحظة الأولى ليومي السابع والثامن من تشرين الأول/أكتوبر وبعدهما، هناك حرب، بمقاييس واستراتيجية جديدة، بالتعريف الاصطلاحي الوظيفي، هما مصطلحات سياسيّة إعلاميّة أكثر من كونهما عسكرية. لماذا؟
“طوفان الأقصى” وجبهاته، أشبه بكتاب فلسفي أو فكري عميق، مترابط الأفكار والحبكات. ربما يكون هناك مثل آخر، كأنّه فيلم سينمائي متين لا “استعراضي”، فريد بأبعاد حَدْثيَّة فنيّة مترابطة من جذر إلى نتيجة، كـ”العراب” مثالًا لا حصرًا، حيث لا يمكن البدء بالكتاب ولا بالفيلم من منتصفهما، وإن أنهيناهما بتركيز شديد، لن نفهما كما يلزم، بأبعادهما وسبب عرضهما، عدا أحداثهما او أفكارهما، هم كل وليسوا جزء أو أجزاء.
كان واضحًا، أن محوّر المقاومّة يتجنب الحرب الشاملة أو المفتوحة، ذلك مرده إلى التالي:
خبرته بماهيّة تركيبة الكيان، حيث سجال الرابح والخاسر ماديًا ومعنويًا كقياس. المقاومة آثرت تكييف الجبهات المتعددة لإرباك قرارات العدو، الذي بالضرورة يستوجب استخدام قوته التدميرية، واستجلاب دعم غربي صارخ على رأسه الأميركي، لأنه سيُظهر الكيان المحتل “مدافعًا عن نفسه”. وبدراسة حجم الأكلاف، قد نكون أمام خسارة مادية كبيرة ومعنوية قابلة للتأويل. هنا فضلت المقاومة عدم القفز في الهواء، واللعب بين نقاط الذرائع، ليس خشيّة، هي أساسًا جاهزة لكل الاحتمالات، لكن ردًا وليس مبادرةً، أو بالأحرى تجنبًا، سيما أن هناك بدائل أخرى أكثر نجاعة في سياق الصراع.. هذا الأهم …
الحروب مع الكيّان المحتل، واضحة. إذا ما وضعناها تحت مجهر التفنيد والتشريح، سيما الوضع العسكري وما يعرف بالجبهة الداخلية للكيان والتي هي نواته وسبب بقائه، يظهر أنّ هناك طرقاً أخرى أكثر فعالية وأقل تكلفة. هي “استنزافه”. أي، وبشكل أوضح، إغراقه بتفوقه التدميري وخنقه بكِبَرِهِ ودمائه النازفة. الدليل هو أننا على أعتاب سنة من “الطوفان”، ولأي مستقرئ فاهم معرفيًا لبنية العدو الكينونية بكافة اتجاهاتها، يرى جليًا، أن النتائج الحالية، والتي ستستمر، لم تكن لتحقق أجزاء من الحالية، ذلك لو خاضتها المقاومّة بعقلية الهجوم الشامل. لغاية اللحظة، لم يعش الكيان أياماً سوداء، وجودية، كالتي يعيشها اليوم، ذلك منذ تأسيسه، بحسب وصف نتنياهو وكثر من النخب “الإسرائيلية”.
الرعيل البراغماتي في هذا الكيان، رحل. نتنياهو يقدم خدمات مجانية للمحوّر. نعم، ما قام به الغبي، في الأيام الماضيّة، بمعزل عن الرد المؤلم الموجع الذي سيصفعه، هو إطالة أمد الحرب، أي استمرار الاستنزاف. ربما يكون هذا مطلب المُقاومّة الأوّل، كما ذكرت سابقاً.
إذا كان نتنياهو يعتبر هذه الحرب وجودية، يجب أن نشاطره الرأي، حيث يبدو في صفنا، صراحة، لأنه يزيل الكثير من العوائق أمام المقاومة.
أما الذي يقيس الحرب مع هذا الكيان المجرم بعدد الأبنية وعدد الضحايا، فربما محق أمام هول المشهد الإنساني المؤلم، لكن توظيفه الخبيث مرفوض ومردود. المقاومّة تخوض حربًا من أجل البشر لا الحجر، من أجل الكرامة وبعيدًا عن العبودية التي قائمة كانت بالفعل.
وكما قال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله “نحن أمام أعظم معركة تخوضها الأمة من 1948، معركة ذات مستقبل مشرق، معركة ستغيّر وجه المنطقة”