إيمانويل ماكرون ـ محمد بن سلمان

كواليس التحوّل الخليجي في لبنان: المبادرة الفرنسية بـ”عباءة عربية”!

/ جورج علم /

تستعيد المواعيد شغفها، تحت قناطر المبادرات الموصولة بالإنتخابات.

فاجأ وزير خارجيّة الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصبّاح بيروت عندما حمل الى المسؤولين، في 22 كانون الثاني  الماضي، مبادرة قال عنها بأنها “كويتيّة ـ خليجيّة ـ عربيّة منسّقة فرنسيّا ـ أوروبيّا ـ دوليّاً”.

يثني الفرنسيّون على هذا التعريف، ويصفونه بـ”الفضفاض”، فيما الإيجاز “ان ما حمله رئيس الدبلوماسيّة الكويتية الى بيروت هو المبادرة الفرنسيّة بعباءة عربيّة. وان الحبر العربي قد سال مداده، وحبّر الأحرف الأعجميّة كي تصبح أكثر فهماً، ووضوحاً، وجديّة”.

إنشغل يومها الإعلام بالرد اللبناني، وطبيعته، فيما كانت خطوط الإتصال مفتوحة مع باريس لصياغة “الديباجة”، واختيار “أفعال التفضيل”. وتقضي الأمانة القول بأن الجواب قد طاف على عواصم  العديد من “المجموعة الدوليّة لدعم لبنان”، بما فيها واشنطن، قبل أن يأخذ طريقه باتجاه المرجع الصالح.

ويوم الأحد، في 30 كانون الثاني، شارك وزير الخارجيّة والمغتربين عبدالله بوحبيب في الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب في الكويت، بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربيّة أحمد أبو الغيط. إستمر الإجتماع ثلاث ساعات، وتمحور حول الوضع في لبنان، والمبادرة العربيّة. وقال وزير الخارجية الكويتي على الأثر: “إن الهدف ليس إتخاذ قرارات، بل إجراء إحاطة شاملة للوضع اللبناني”.

وصبيحة 28 شباط، إلتقى وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، نظيره الفرنسي جان إيف لو دريان، وتمّ التفاهم على إنشاء الصندوق السعودي ـ الفرنسي الخاص بدعم لبنان، وتقرر أن تقدم السعودية مساهمة بـ36 مليون دولار لدعم الشعب اللبناني من خلال “مركز الملك سلمان بن عبد العزيز للمساعدات الإنسانية”، على أن يخصص جزء منها للمستشفيات، وتوفير حليب الأطفال…

وشكّل الإجتماع، من حيث توقيته، رافعة للجهود الدبلوماسية الرامية الى الإمساك بالملف اللبناني، وإحاطته بالرعاية، وتأمين حصول انتخابات نيابية في مواعيدها الدستوريّة.

ولم تهمل الجامعة العربيّة المبادرة الكويتيّة، ولا الرد اللبناني عليها، ولا ما يحيط بها من إتصالات مع الدول الفاعلة، والأطراف المؤثرة. وجاء الأمين العام أبو الغيط الى بيروت، الإثنين 7 آذار الجاري، وقابل كبار المسؤولين، وتشاور معهم “ببعض المستجدات” من دون  ان يخوض في التفاصيل… لكنه شدّد على أمرين:

  • الإشادة بالمبادرة العربيّة الهادفة الى مساعدة لبنان كي يلعب دوره الريادي كاملاً ضمن المجموعة العربيّة.
  • والإشادة بموقف الحكومة اللبنانية، والجهود التي تبذلها لشدّ عرى العلاقات مع بعض الدول العربيّة، والخليجيّة تحديداً.

وبعد يومين من زيارته، وتحديداً يوم الخميس 10 الجاري، وصل الى باريس وفد سعودي رفيع المستوى برئاسة المستشار نزار العلولا، وأجرى محادثات في قصر الاليزيه مع  المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، اختصرت بعبارة رسميّة واحدة: “كان الهدف من المحادثات تعزيز الشراكة الإستراتيجيّة في الشأن اللبناني”.

وكشف الإجتماع جانباً من مهمة أبو الغيط في بيروت، حول “صيغة البيان ـ المفتاح” الذي أعلنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وفيه الإلتزام ببنود المبادرة العربيّة، والجهود التي تبذلها حكومته لإعادة العلاقات اللبنانية ـ الخليجيّة الى مجاريها.

واستحوذ البيان على أهمية، ودراية، وشاركت في  تنقيح صياغته أكثر من عاصمة، بينها باريس، والرياض، والكويت. وكان اتصال ميقاتي بوزير الخارجية الكويتي لافتاً من حيث التوقيت، وقبل صدور البيان، الذي قوبل بردود فعل إيجابية فوريّة من جانب كل من وزارتي خارجية المملكة العربيّة السعوديّة، ودولة الكويت.

وسيعقد يوم الأحد المقبل اجتماع على مستوى وزراء خارجية دول مجلس التعاون، يؤمل أن يصدر عقبه قرار يقضي بإعادة السفيرين السعودي والكويتي، وليد البخاري وعبد العال القناعي، الى بيروت.

… ويطول السرد، وتبقى العبر في خفايا الكولسات، وما يسرّب منها، حدوده الآتي:

أولاً، التمسك العربي ـ الخليجي بالملف اللبناني، بعد البلبلة في الشارع السنّي، وعزوف رؤساء الحكومة السابقين، وتيار “المستقبل”، عن خوض الإنتخابات.

ثانيّاً، الإصرار على إجرائها في مواعيدها، وعلى أن تكون “تغييريّة”. وهناك الكثير من الخطوات على الطريق، وستظهر إلى السطح تباعاً، ووفق مواعيد محددة، ومنسّقة بشكل جيد، كي تحقق أهدافها المرسومة.

ثالثاً، “تعريب” المبادرة الفرنسيّة، وإثراؤها بـ”إضافات لا بد منها” ، كتوطئة لمؤتمر دولي خاص بلبنان، بإشراف الأمم المتحدة.. بعد الإنتخابات.

وكانت بعض هذه “الإضافات” موضع تشاور بين البطريرك بشارة الراعي، والمسؤولين المصرييّن، نظراً ما للقاهرة، وجامعة الدول العربيّة، من دور بارز في مساعدة لبنان على النهوض من كبوته.

رابعاً، إقامة مظلّة فرنسيّة ـ خليجيّة ـ عربيّة ـ أوروبيّة ـ أممية لحماية الخطوات الداخليّة المطلوب تنفيذها، من دون أن تنبري أي قوّة تعطيليّة تحاول أن تغيّر إتجاه البوصلة.

وتبقى الثغرة التي يحسب لها حساب، إبعاد التجاذب الأميركي ـ الروسي حول أوكرانيا، عن الخطط المرسومة لإنقاذ لبنان. ولذلك يحرص الرئيس الفرنسي، وبعض زعماء دول مجلس التعاون الخليجي، على استمرار التواصل مع كلّ من موسكو وواشنطن، للتنسيق ـ عند الضرورة ـ بهدف تخطّي اي عائق  قد يعترض المسار الإنقاذي.

وآخر المتداول في هذا الشأن، أن زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد الى دولة الإمارات العربيّة المتحدة، قد مكّنت مضيفيه من الحصول على ضمانات تؤكد وقوف سوريا إلى جانب الحراك العربي تجاه لبنان، وليس في موقع “القنّاص المحترف”…