| خاص الجريدة |
محمد الضيف، وإسمه الحقيقي اسمه محمد دياب إبراهيم المصري ولُقّب بـ”الضيف” لأنه سكن في الضفة الغربية “ضيفاً”، ولد في مخيم خان يونس جنوب قطاع غزة، في 12 آب عام 1965، في وقت كان فيه القطاع تحت ظل الإدارة المصرية.
وهو ابن أسرة من أسر اللاجئين الفلسطينيين الذين تركوا بيوتهم جراء إرهاب العصابات الصهيونية، وما تلاها من تأسيس الكيان الغاصب وهزيمة العرب في حرب فلسطين، وبالفعل فعائلته أتت نازحة من قرية كوكبا التي تبعد نحو 25 كم عن شرقي غزة.
لم يمر سوى عامين فحسب حتى سقطت غزة، وكل ما تبقي من أرض فلسطين في قبضة الاحتلال الإسرائيلي عقب هزيمة حزيران 1967، ليفتح الطفل عينيه ويري بلاده وأهله في ذلك الحال الصعب المرير.
ما زاد من صعوبة واقع الحياة على الضيف هو الوضع الاقتصادي السيئ لعائلته، ما دفعه للعمل ليساعد والده الذي يقول عنه جهاز “الأمن العام الإسرائيلي” أنه هو أو شقيقه – أي عم محمد الضيف – قد شارك في غارات متفرقة على “إسرائيل” قام بها مسلحون فلسطينيون في الخمسينيات من القرن الماضي.
في ذات الوقت، التحق محمد الضيف بمقاعد الدراسة حتى تخرج من الجامعة الإسلامية في قطاع غزة بدرجة البكالوريوس في الكيمياء عام 1988، وفي تلك السنوات شب الفتي أيضا بين جدران المساجد.
حياته الشخصية
تزوج محمد الضيف مرتين. له من زواجه الأول ولدين وبنت، ثم تزوَّج بعد ذلك عام 2007.
استشهدت زوجته وداد عصفورة وابنه الرضيع وابنته البالغة من العمر 3 سنوات في محاولة الاغتيال عام 2014، وبقي له من أبنائهما بنت وولد.
توفيت والدته عام 2011، ووالده عام 2022.
لا أحد يعلم هويته الحقيقية، بالرغم من أن وسائل إعلام تقول إن اسمه الحقيقي هو محمد المصري. اختيرت كنية “ضيف” لوصفه لأنه لا يبقى في مكان واحد لأكثر من ليلة واحدة ويبيت كل مرة في بيت جديد للإفلات من الملاحقة الإسرائيلية” وفق جاكوب إريكسن.
بقاء محمد الضيف على قيد الحياة يعود بالأساس إلى نجاحه في التخفي قدر الإمكان، إلى درجة أن آخر صورة رسمية له تعود إلى أكثر من عشرين عاماً.
من بين المعلومات النادرة التي تمتلكها “إسرائيل” عنه هو أنه ولد في مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة في ستينيات القرن الماضي، كما أكدت صحيفة “فايننشال تايمز” الأميركية التي تواصلت مع مسؤولين في “شين بث” جهاز الأمن الداخلي في كيان الإحتلال. ودرس محمد الضيف في الجامعة الإسلامية بغزة “وزامل أعضاء في حكومة الإخوان المسلمين السابقة في مصر” وفق “نيويورك تايمز”.
التحق الضيف، الذي أصبح فيما بعد العقل المدبر لعمليات حماس العسكرية، بالحركة في ثمانينيات القرن الماضي بمساعدة يحيى عياش المكنى بـ”المهندس” والذي يعد من بين أبرز قادة حماس. ويؤكد جاكوب إريكسن أن الضيف “كان من أشد المقربين منه”.
مهندس للعمليات الإستشهادية داخل الأراضي المحتلة
مقتل يحيى عياش على أيدي المخابرات الإسرائيلية في 1996 هو ما جعل محمد الضيف يصبح شيئاً فشيئاً قيادياً محورياً في كتائب “عز الدين القسام”، حيث “كان مهندساً للعمليات الاستشهادية داخل الأراضي المحتلة خلال التسعينيات”.
دفع هذا النفوذ المتعاظم داخل الحركة الإسلامية قادتها إلى تعيينه على رأس ذراعها العسكري في 2002. وكان أول شيء قام به القائد الجديد لكتائب “القسام” هو استخلاص الدروس من الانتفاضة الثانية في بداية الألفية الثالثة.
وكان الضيف مهندس بناء الأنفاق التي سمحت لمقاتلي “حماس” بإطلاق اختراقات في الداخل المحتل انطلاقا من غزة. وكان أيضاً ممن عززوا استراتيجية إطلاق عدد أكبر من الصواريخ.
قائد كتائب عز الدين القسام
في السابع من تشرين الأول عام 2023، بدأت كتائب “عز الدين القسام” هجومها الشهير على قوات الإحتلال المعروف باسم “طوفان الأقصى”.
يعد ذلك الهجوم هو أكبر وأهم هجوم فلسطيني على قوات الإحتلال منذ بدء الصراع، ويشمل ذلك حتى فترة ما قبل قيام الكيان الصهيوني في أيار 1948.
هذا الهجوم جاء من تخطيط محمد الضيف ومن معه في قيادة كتائب “القسام”، وكان الضيف بنفسه هو من ألقي البيان الافتتاحي الذي أعلن فيه عن العملية.
بحسب وكالة “رويترز” فقد استغرق الضيف ورجاله عامين كاملين للتخطيط للهجوم.
هذه ليست المرة الأولى التي يقود فيها محمد الضيف كتائب “القسام” في حرب مفتوحة ضد “إسرائيل”، فلقد كان هو نفسه يشغل ذات المنصب في حروب عام 2012 و 2014 و 2021 والحرب الحالية.
يقود محمد الضيف حاليا عمليات كتائب “عز الدين القسام” ضد القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة، ويستغل وبمهارة ما صنعه أو طوره من رجال وأسلحة ومعدات خلال سنوات، ومن أبرزها: شبكة الأنفاق، قذائف الياسين 105، عبوات شواظ الخارقة، منظومة رجوم الصاروخية، طائرات الزواري بدون طيار، وحدة الظل.
وبشكل عام، بنى محمد الضيف إستراتيجية “حماس” العسكرية على أساسين هما القدرات الصاروخية وشبكة الأنفاق، لقد قرر الرجل أن يغير طريقة تفكير شعبه من أجل تحرير أرضهم وهو يقودهم الآن في المعركة.
تاريخياً، ربما يكون محمد الضيف هو أكثر فلسطيني كان مسؤولاً بشكل مباشر أو غير مباشر عن مقتل إسرائيليين.
وعلى مدار سنوات مقاومته وحروبه، أصبح محمد الضيف أيقونة فلسطينية، ومن شوارع غزة وصولاً إلى نابلس مروراً بالقدس يهتف الفلسطينيين في كل مكان: “حط السيف قبال السيف واحنا رجال محمد ضيف”.
هتاف أصبح على ألسنة الجميع حتى من ينتمي تنظيمياً إلى حركات بعيدة عن حركة “حماس” مثل الشهيد ابراهيم النابلسي القيادي في كتائب “شهداء الأقصى” الجناح العسكري لحركة “فتح”، والذي استشهد في اشتباك مع قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2022 في جنين.
حالياً، أيضا أصبح محمد الضيف ومن قبله يحيى السنوار مطلوبان أحياء أو أمواتا لدى “إسرائيل” أكثر من أي وقت مضى، وتضع تل أبيب على رأسه مبلغ 100 ألف دولار أميركي لمن يقدم معلومات تقود إليه.
لكن الحقيقة التي لا جدال فيها، أنه ومع نجاح “طوفان الأقصى” فقد حقق الضيف ورجاله النجاح الأكبر في تاريخ المقاومة الفلسطينية، وأن إرثهم سيعيش إلى الأبد، ومهما كانت النتائج المقبلة، سواء انتصر أو لا.. فإن إرث محمد الضيف سيستمر وإلى الأبد.