/محمد حمية/
فشل مجلس الوزراء، في جلسته الأخيرة، في الاتفاق على قرار موحد وحاسم لاحتواء النزاع القضائي ـ المصرفي، بل قذف كرة النار الى ملعب وزير العدل هنري الخوري الذي رفض طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي استدعاء أركان القضاء الى الجلسة، لانتزاع توقيعهم على “حكم” السلطة السياسية، وقرارها بحماية المصارف من نار القضاء وقراراته وأحكامه الأخيرة التي، وللمرة الأولى، تجرأت على استدعاء أصحاب مصارف، والحجز على أموال وأصول وممتلكات مصارف، وإجبارها بقوة القانون على دفع وديعة مصرفية لصاحبها، فضلا عن قرار توقيف شقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة واستدعاء “الحاكم” نفسه للتحقيق اليوم أمام النائبة العامة الاستئنافية القاضية غادة عون، والتي تشير مصادرها لموقع “الجريدة”، الى أنها مصرة على استدعاء الحاكم وتوقيفه، في حال ثبُت تورطه بالجرائم المالية المنسوبة اليه، وذلك بعدما اعترف شقيقه رجا في التحقيقات معه، بإجراء عمليات مالية تندرج في اطار استغلال السلطة والإثراء غير المشروع.
فهل يَمثُل سلامة اليوم، وهل ينتهي التحقيق معه بتوقيفه إن حضر؟ وما هي الخطوة المقبلة التي ستقدم عليها القاضية عون في هذه الحال؟
مصادر مطلعة استبعدت عبر “الجريدة” مثول الحاكم في جلسة الاستجواب اليوم، خوفاً من توقيفه، على غرار ما حصل مع شقيقه، كاشفة أن سلامة هدد بـ”بق البحصة”، وأبلغ جهات معنية بأنه في حال استمرت القاضية عون بملاحقته وبتوقيف شقيقه ومحاكمته، فإنه سيكشف الحقائق كاملة، وكل ما حصل خلال فترة وجوده في “الحاكمية”، وماذا طلبت منه السلطة السياسية في الحكومات والمجالس النيابي ووزارة المال من قرارات مالية ونقدية ومصرفية، لا سيما سياسة دعم الكهرباء والمحروقات والمواد الغذائية والقروض، وتثبيت سعر صرف الليرة على 1500 ليرة، وسياسات الحكومات المتعاقبة بالاستدانة من مصرف لبنان، وسيبرز كل المستندات التي تبرئه من التهم المنسوبة اليه وتحميل الحكومات المتعاقبة المسؤولية.
لذلك أخذت بعض المراجع السياسية تهديد سلامة على محمل الجد، وسارعت الى تكثيف الاجتماعات والاتصالات لتطويق ذيول وتداعيات قرارات القضاء ضد المصارف، ووقف ملاحقة سلامة وإخلاء سبيل شقيقه، عبر تدخل السلطة السياسية الممثلة بمجلس الوزراء، على وجه السرعة، لمعالجة الأزمة قبل تفاقمها، فضغط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال اللقاء الرئاسي في بعبدا، الذي خصص لبحث ملف ترسيم الحدود، لعقد جلسة لمجلس الوزراء في بعبدا لبحث ملف المصارف، لكن رئيس الجمهورية ميشال عون رفض عقد الجلسة في القصر الجمهوري لكي لا تُحمّل بعبدا مسؤولية حماية المصارف، وعرقلة المسار القضائي لاستعادة ودائع المواطنين والمال العام.
نجح ميقاتي بإقناع عون والرئيس نبيه بري بعقد الجلسة في السراي الحكومي، تحت ضغط التهديد بتداعيات قرارات القاضية عون على قطاع المصارف وعلى الوضع الاقتصادي والنقدي العام. لذلك حاول ميقاتي خلال الجلسة الحكومية الأخيرة تأمين توافق حكومي على إجراءات حكومية ووزارية عاجلة عبر وزير العدل، لإجبار رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات على كف يد القاضية عون، ووقف تنفيذ قراراتها بحق المصارف، وتجميد ملاحقة رياض سلامة، ومن جهة ثانية اصدار تشريعات عبر مجلس النواب لتنظيم النزاع بين المصارف وأصحاب الودائع عبر إقرار “الكابيتال كونترول”، إلا أن ميقاتي فشل بتأمين هذا التوافق في مجلس الوزراء، فتم رمي المسؤولية الى وزير العدل.
ولفت مصدر مطلع على الملف لـ”الجريدة” إلى أن “المشاورات السياسية تتركز على تأمين مخرج آمن لحاكم مصرف لبنان، وحمايته من الملاحقات القضائية، عبر الضغط على القاضية عون لكف يدها، باعتبار أن ملاحقة الحاكم أو توقيفه في هذه الظروف سيؤدي الى فوضى مالية نقدية غير مسبوقة، ستوازيها فوضى في قطاع المصارف، سيؤدي الى اقفال المصارف وارتفاع سعر صرف الدولار، على غرار ما حصل بعد أحداث 17 تشرين 2019، ما يطيح بالانتخابات النيابية. لذلك استقر الرأي على ضبط المعركة القضائية – المصرفية تحت سقف سياسي، لتمرير المرحلة الحالية بأقل الخسائر. على أن يتم تحضير البديل لحاكم مصرف لبنان بعد الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة جديدة”.
ورقة “الحاكم”، بحسب المصدر نفسه، احترقت، واشتد الطوق على عنقه، وبات مطوقاً بقرارات قضائية محكمة، واتهامات مثبتة، واعترافات من “ذوي القربى”، ويعد الآن فارًا من وجه العدالة، هذا عدا الدعاوى القضائية الصادرة بحقه في أكثر من دولة أوروبية. وبمعزل عن قرار منعه من السفر خارج لبنان، لكنه معرض للتوقيف بحال سافر الى إحدى الدول الأوروبية المرفوع فيها دعوى ضده. لكن المصدر يتوقع “العمر السياسي المديد” لسلامة في منصبه حتى نضوج ظروف اقالته. إلا أن أجواء القاضية عون تؤكد مضيها بملاحقة المصارف وسلامة حتى توقيفه، وإن لم يحضر فستعيد الطلب من الأجهزة الأمنية إحضاره بالقوة. في المقابل طلب ميقاتي من القاضي عويدات عدم الادعاء على سلامة وتوقيفه، كون ذلك يخضع لصلاحيات عويدات.