نظرًا للدورة الانتخابية الأميركية المتوترة، من المرجح أن يبقي بايدن ونتنياهو خلافاتهما السياسية ضمن حدود دقيقة، لكن من المستبعد أن تشهد الزيارة تقدمًا فوريًا بشأن صفقة الرهائن أو غيرها من القضايا الرئيسية.
ستتمحور أحدث زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن حول خطاب سيلقيه في 24 تموز/يوليو أمام جلسة مشتركة للكونغرس واجتماع مع الرئيس بايدن قبل يومين يمثل أول لقاء بينهما في البيت الأبيض منذ أن شكّل نتنياهو حكومته الحالية في كانون الأول/ديسمبر 2022. وعلى الرغم من أن نتنياهو سيسجّل رقمًا قياسيًا لأكبر عدد من الخطابات أمام الكونغرس من قبل مسؤول أجنبي، متجاوزًا على الأقل ونستون تشرشل، تُعتبر الفجوة الطويلة منذ زيارته السابقة مثالًا واضحًا على التوترات بين “إسرائيل” وإدارة بايدن، أولًا بشأن برنامج إصلاح قضائي مثير للجدل، والآن على خلفية جوانب معيّنة من حرب غزة. ما الذي ستركز عليه مناقشاتهما، وكيف سيتعامل نتنياهو مع ظهوره في “الكابيتول هيل” الذي تبين في ما مضى أنه محفوف بالمخاطر السياسية بالنسبة له؟
مغامرة الأسرى المحفوفة بالمخاطر من جانب نتنياهو
أشار مسؤولو إدارة بايدن إلى أن اجتماع البيت الأبيض، الذي لا يزال من المتوقع عقده على الرغم من إصابة الرئيس بفيروس كورونا الذي تم تشخيصه مؤخرًا، سيركز على المفاوضات الأخيرة لإطلاق سراح الأسرى الـ116 المتبقين الذين تم احتجازهم في 7 تشرين الأول/أكتوبر، منهم ثمانية مواطنين أميركيين (على الرغم من أن بعض التقارير تشير إلى أن أقل من نصفهم ما زالوا على قيد الحياة). وتماشيًا مع هذا الموضوع، ترافق بعض عائلات الأسرى نتنياهو إلى واشنطن، على الرغم من رفض البعض الآخر القيام بذلك. لكنّ نتنياهو شدد موقفه في الأيام الأخيرة بحسب ما ورد، ساعيًا إلى انتزاع المزيد من التنازلات من “حماس”. أما بايدن فيخالفه الرأي، بحيث يفضل التوصل إلى اتفاق قريبًا بدلًا من المخاطرة بانهياره تحت وطأة المطالب الإضافية. وتقول المصادر إنه قد يعبّر عن هذا الموقف علنًا بعد لقائه بنتنياهو.
في الواقع، خصصت الإدارة قدرًا كبيرًا من الموارد لتأمين صفقة أسرى، حيث كان مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز ومنسق مجلس الأمن القومي بريت ماكجورك يحضران المحادثات بشكل متكرر في مصر وقطر. فالمسؤولون الأميركيون لا يعتبرون الصفقة ضرورة أخلاقية بحد ذاتها فحسب، بل مخرجًا محتملًا من حرب غزة والاشتباكات المتصاعدة بين “إسرائيل” و”حزب الله” أيضًا، ما يحدّ بالتالي من مخاوف الإدارة العميقة من اندلاع حرب إقليمية مع إيران. وهم يعتقدون أن نتنياهو يعارض حربًا أكبر أيضًا، لذا من المرجح أن يضغط عليه بايدن في هذا الصدد. فضلًا عن ذلك، لا تزال الإدارة تعلّق آمالًا ضعيفة على أن يؤدي التوقف المؤقت في غزة إلى تعزيز التطبيع الإسرائيلي ـ السعودي.
وفي خطاب ألقاه نتنياهو في الكنيست في 17 تموز/يوليو، كرر وجهة نظره التي مفادها أن “الجيش الإسرائيلي” قد ألحق أضرارًا جسيمة بقدرات “حماس” العسكرية، وهو موقف عززته الغارة الأخيرة التي تقول “إسرائيل” إنها قتلت العقل العسكري المدبر الغامض لـ”حماس” محمد الضيف. وقد زعم نتنياهو لعدة أشهر أنّ “حماس” لن تتنازل إلا تحت الضغط، وهو يعتقد الآن أنه قادر على انتزاع تنازلات جديدة بشأن صفقة متعددة المراحل لتبادل الأسرى مقابل السجناء.
على وجه التحديد، فهو يطالب “إسرائيل” بالإبقاء على وجود عسكري غير محدد زمنيًا في مجالين رئيسيين:
* محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على طول الحدود بين مصر وغزة، لمنع “حماس” من إعادة تسليح نفسها من خلال شبكة أنفاقها (زار نتنياهو هذه المنطقة في 18 تموز/يوليو).
* ممر نتساريم الواقع فوق وادي غزة مباشرةً، لمنع مقاتلي “حماس” من العودة إلى شمال غزة.
وعندما صدرت هذه المطالب، كانت “حماس” قد وافقت للتو على فك الارتباط بين مراحل إطلاق سراح الأسرى، ما أثار الأمل في إمكانية الانتهاء من المرحلة الأولى في غضون أسابيع.
إلّا أنّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا توافق على اقتراح نتنياهو غير المحدد زمنيًا. ففي 16 تموز/يوليو، قال مدير “الموساد” دافيد برنياع لمجلس الوزراء الأمني إنّ إنشاء آلية بشأن نتساريم سيستغرق “أسابيع”، وإن الأسرى “ليس لديهم وقت”.
وكذلك، دعا رئيس أركان “الجيش الإسرائيلي” هرتسي هاليفي ووزير الدفاع يوآف غالانت إلى إعطاء الأولوية لإطلاق سراح الأسرى، وهو ما يعتبرونه واجب الدولة الأساسي بعد فشل 7 تشرين الأول/أكتوبر.
مخاوف نتنياهو بشأن التهديد المعقد المتمثل في التهريب عبر حدود غزة، مشروعة، وبالتالي فالتأكيد عليها في المحادثات مع المسؤولين الأميركيين أمر مفهوم. ويعتقد بعض المراقبين أن موقفه المتشدد يهدف في الغالب إلى إطلاق موقف أولي صارم للمساومة المستقبلية.
على أي حال، تبدو إدارة بايدن أكثر انسجامًا مع وجهة نظر برنياع القائلة إنّ الأسرى ليس لديهم سوى القليل من الوقت.
وتتوقع مصادر أن يعبّر الرئيس علنًا عن الحاجة إلى تجنب سياسة حافة الهاوية والمضي قدمًا في الصفقة كما هي، مع طمأنة نتنياهو في الوقت عينه بأن واشنطن والقاهرة يمكن أن تتوصلا إلى ترتيب ثلاثي قوي على الجانب المصري من حدود غزة، باستخدام تكنولوجيا استشعار خاصة ومع منح “إسرائيل” قدرة الوصول بشكل مستمر وفي الوقت الحقيقي إلى نتاجها.
واعتبر هاليفي أنه يمكن لوسائل مماثلة أن تمكّن “إسرائيل” من السيطرة على محور صلاح الدين من دون تواجد فعلي على الأرض. وتفضّل الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى إنشاء قوة حدودية رمزية تابعة للسلطة الفلسطينية، بدلًا من القوات الإسرائيلية، ربما بدعم أوروبي، بناءً على المبادرة الأمنية قصيرة الأمد التي أطلقها الاتحاد الأوروبي بعد فك الارتباط الإسرائيلي عن غزة عام 2005.
يزعم النقاد أن سياسة حافة الهاوية التي ينتهجها نتنياهو تنبع من السياسة الداخلية الإسرائيلية وليس ضعف “حماس”. فقد هدّد أعضاء مجلس الوزراء من اليمين المتطرف، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، بإسقاط الحكومة إذا سعى نتنياهو وراء صفقة أسرى تمنح “حماس” مجالًا لإعادة الانتعاش. لكن هذه الضغوط قد تمنح نتنياهو راحة مؤقتة اعتبارًا من 28 تموز/يوليو، عندما يبدأ الكنيست عطلته التي تستمر ثلاثة أشهر ولا يعود باستطاعته إجراء تصويت بحجب الثقة عنه. وفي تلك المرحلة، قد يصبح أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات بشأن الرهائن ومسائل أخرى.
خطاب نتنياهو والسياسة الأميركية
من الواضح أن مفاوضات الأسرى وخطط رحلة نتنياهو تتأثر بالانتخابات الأميركية المقبلة. فبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، يأمل نتنياهو في لقاء المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي لم يتحدث مع رئيس الوزراء منذ أن هنأ بايدن بفوزه بانتخابات 2020. وفي اجتماع مجلس الوزراء ذاته الذي حذّر فيه برنياع من ضيق الوقت، أعلن بن غفير بحسب ما ورد أن صفقة الأسرى ستكون بمثابة “صفعة” لترامب وتساعد بايدن على الفوز في تشرين الثاني/نوفمبر، ما يعني ضمنًا أنه يجب تأجيل الصفقة إلى كانون الثاني/يناير. على الرغم من أن هذه وجهة نظر متطرفة لا تتوافق مع الدعم الشعبي الإسرائيلي واسع النطاق للتوصل إلى اتفاق فوري، ربما اعتبر نتنياهو أن ترامب سيفوز في الانتخابات وهو يأمل في استرضائه، ربما من خلال القيام (أو الامتناع عن) بوادر رفيعة المستوى خلال تواجده في واشنطن. ومن المؤكد أن نتنياهو يخطط لعقد اجتماع منفصل مع نائبة الرئيس كامالا هاريس، وهي خطوة غير عادية خلال زيارة مماثلة.
ستكون لهجة خطاب نتنياهو أمام الكونغرس مؤشرًا رئيسيًا لحساباته بشأن هذه المسائل. إذ يتوقع بعض المسؤولين الأميركيين أن يُعرب عن امتنانه لإدارة بايدن لمساعدتها واسعة النطاق منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر وأن يلتزم بالمواضيع التي تؤكد على الإجماع الثنائي. وفقًا لهذه الحجة، لا يريد نتنياهو خلق المزيد من الانقسامات مع الديمقراطيين، كما حصل عندما قاطع العديد من أعضاء الحزب خطابه الاستقطابي الذي ألقاه أمام الكونغرس عام 2015 في ذروة المناقشات حول الاتفاق النووي الإيراني.
لكن يقلق مسؤولون آخرون من أن يستخدم نتنياهو هذه المنصة لجذب أنصاره في أميركا، جزئيًا من خلال الإصرار على معارضة إقامة دولة فلسطينية في أعقاب تصويت رمزي في الكنيست بهذا الخصوص في 17 تموز/يوليو. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى إلغاء إمكانية حدوث انفراجة على المدى القصير مع السعودية. فالرياض لم تطلب على ما يبدو الكثير من نتنياهو بشأن القضية الفلسطينية، لكن أحد مطالبها القليلة الواضحة هو أن يعد علنًا وصراحةً بدعم إمكانية حل الدولتين، وليس فقط “أفق سياسي”. لكن من غير المرجح أن يفعل ذلك خلال تواجده في واشنطن.
وفي ما يتعلق بقضايا الأمن الإقليمي الرئيسية، يمكن لنتنياهو أن يذكّر الكونغرس بكيفية تصعيد إيران ووكلائها لهجماتهم ضد “إسرائيل”. وقد ينقل أيضًا الاعتقاد الإسرائيلي السائد بأن العالم قد نسي التهديد النووي الإيراني.
العمل مع نتنياهو أو تجاهله؟
في معرض وصف التاريخ الشخصي والاختلافات في السياسات بين بايدن ونتنياهو، قال أحد المسؤولين الأميركيين لكاتب المقال: “لا أستطيع أن أقول إن الثقة قد فُقدت. فالرئيس يدرك تمام الإدراك من هو نتنياهو وإلى أي مدى يعتقد أن نتنياهو يمكن أن يصل”. وكذلك، يبدو أن نتنياهو لا يزال يثق بالتزام الرئيس بايدن تجاه “إسرائيل”.
لكن الاختلافات في السياسات لا تزال قائمة في أربعة مجالات رئيسية، ولو بدرجات متفاوتة، وهي: مفاوضات الأسرى، والمساعدات الإنسانية، تسليم الأسلحة الأميركية، وافتقار “إسرائيل” إلى خطة “اليوم التالي” لحكم غزة، على الرغم من الهدف المشترك المتمثل في إزاحة “حماس” من السلطة. وقد تراجعت الخلافات بشأن المساعدات مع فتح معابر جديدة في الشمال وتزايد تدفق المساعدات. لكن الخلافات حول “اليوم التالي” لا تزال قائمة.
وفي ما يتعلق بالأسلحة، حرص المسؤولون على شرح الاختلافات بين حالات التأخير في تسليم أنظمة معينة. وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة تعمدت حجب القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل خوفًا من أن تستخدمها “إسرائيل” في المناطق المكتظة بالسكان. لكن التأخير في تسليم الذخائر الصغيرة يعود إلى انتهاء صلاحية تصريح الطوارئ الذي تم إنشاؤه بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر لتسريع عمليات التسليم واستبعاد الكونغرس. ويجب أن تخضع عمليات النقل هذه الآن للعملية الاعتيادية الأبطأ.
يعتبر مسؤولو الإدارة بأن تمديد تصريح الطوارئ من شأنه أن يتسبب برد فعل عنيف من قبل الديمقراطيين التقدميين وتجميد محتمل للنقل. ومن وجهة نظرهم، يُعد تباطؤ إمدادات الأسلحة أفضل من توقفها.
وعلى الرغم من هذه الاختلافات، تعتقد الإدارة أن لديها علاقات قوية للغاية مع مؤسسة الدفاع الإسرائيلية، وقد عملت بنجاح مع المسؤولين الأمنيين على نقاط خلافية مثل غزو رفح وتأخير تسليم الأسلحة. ولم تتحقق التنبؤات بحدوث زيادة كبيرة في عدد الضحايا خلال مرحلة رفح، بحيث تحركت “إسرائيل” ببطء في العملية وتم إجلاء جميع المدنيين تقريبًا.
لكن هذا التعاون لا يمكن أن يشمل المسائل السياسية. فالمسؤولون الأميركيون مدركون جيدًا للخلاف القائم بين نتنياهو ومؤسسة الدفاع الإسرائيلية على خلفية شروط تحرير الأسرى المعتمدة مع “حماس”. ويبقى أن نرى من سيهتز أولًا: “حماس” بسبب ضعفها، أم نتنياهو عندما تزيل عطلة الكنيست التهديد المباشر المتمثل بانهيار حكومته؟
ديفيد ماكوفسكي: مدير “مشروع كوريت” حول “العلاقات العربية الإسرائيلية” في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”.