/محمد حمية/
انضم الرئيس فؤاد السنيورة إلى لائحة “الأقطاب السنة” العازفين عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة في 15 أيار، وبذلك يخرج “نادي رؤساء الحكومات السابقين” كلياً من المشهد الانتخابي على مستوى الترشيح المباشر وغير المباشر، باستثناء السنيورة الذي أعلن انخراطه المباشر عبر إدارة العملية الانتخابية ترشيحاً وتحالفات وشعارات.
وعلى الرغم من أن غياب الدعم الخليجي السياسي والمالي والسعودي تحديدًا هو أحد الأسباب المشتركة لانسحاب أعضاء النادي الأربعة وغيرهم من الشخصيات السياسية السنية كالنائب نهاد المشنوق ومعظم نواب تيار المستقبل، إلا أن لدى كل عضو من “النادي” خصوصية وأسبابه وحسابات دفعته لاتخاذ قراره.
فالرئيس سعد الحريري خضع للضغوط السعودية وفضل مصالحه المالية والشخصية مع دول الخليج ومع الإمارات بشكل خاص، أما الرئيس تمام سلام فلا يريد التضحية بعلاقته مع المملكة ولا الانفكاك عن الحريري، ولا وضع موقعه العائلي والبيروتي والوطني والتاريخي على محك الهزيمة في حال خاض المعركة الانتخابية منفرداً من دون الحاضنة والرافعة الحريرية.
أما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فسار على خُطى السنيورة رغم أوجه الاختلاف بينهما في الحسابات والمواقع، فميقاتي أراد توجيه بادرة حسن نية للحريري مقابل أن يضمن رئاسة الحكومة ما بعد الانتخابات وما بعد بعدها، أي بعد الانتخابات الرئاسية، ولهذا شبه في مؤتمره الأخير مرحلة عزوفه اليوم بمرحلة عزوفه في العام 2005 عندما تسلم سدة رئاسة الحكومة وأشرف على إجراء الانتخابات النيابية آنذاك. لذلك لا يريد ميقاتي إلزام نفسه بنتيجة الانتخابات النيابية وربطها بترؤسه لحكومات ما بعد الانتخابات، ولا الاصطدام بتيار المستقبل، فلا يمكن لميقاتي “الرمادي” أن يسبح بعكس “التيار” والابحار باتجاه مقابل للقارب المستقبلي – السني في أوج العاصفة الهوجاء التي تضرب المحيط السني اللبناني.
لكن إذا كانت حسابات الحريري وسلام وميقاتي للعزوف الانتخابي.. فما هي حسابات السنيورة وأسباب وخفايا عزوفه؟
السنيورة المعروف بحساباته المالية الدقيقة “حسبها صح”. يُدرك رئيس الحكومة السابق أنه يعد من الطبقة السياسية – المالية الغابرة والشريكة في النظام اللبناني والمتهمة بإيصال البلاد الى قعر الانهيارات المالية والاقتصادية التدريجية، وهذا ما سيؤثر على حظوظه في الفوز كون الشارع السني خصوصاً واللبناني عموماً مصابٌ بالإحباط من زعمائه، لا سيما السنة، الذين لم يقدموا له شيئاً لإنقاذه من مستنقع الفقر والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وهذا نبض وحال الشارع في طرابلس تحديداً وفي مناطق أخرى.. لذلك يخشى السنيورة خذلان الشارع السني المتعاطف مع الحريري وأن تتحول المغامرة بخطوة غير محسوبة الى هزيمة نكراء وبالتالي يخسر الحريري والشارع السني في آن معاً، ما سيؤثر سلبًا على حضوره السني وعلى مستقبله السياسي وعلى شرعيته الشعبية السنية في المراحل المقبلة الأكثر صعوبة، ويُشكل ضربة إضافية للمشروع السياسي الخارجي الذي يمثله السنيورة وعمل على تطبيقه في مراحل توليه سدة رئاسة الحكومة، لذلك فضل عدم اللعب على المكشوف والتخطيط في السر عبر دعم لوائح في أكثر من دائرة انتخابية، الامر الذي سيجعله ملهما ً للكتلة الفائزة ويترأسها لتكون رأس حربة في مواجهة حزب الله في المجلس النيابي والحكومة، وبالتالي يصبح السنيورة شريكاً في القرار النيابي والوزاري وفي الاستحقاقات الدستورية المقبلة.
فالسنيورة أراد أن يتسلل خلسة في عتمة غياب الحريري ويتربع على عرش الزعامة السنية، لكنه ووجِه بعدم حماسة أهالي صيدا لترشحه و”حرد” العائلات البيروتية والشارع السني عمومًا وتعاطفه مع الحريري.. إذ تكشف المعلومات أن الحريري بعث برسالة عبر أصدقاء مشتركين للسنيورة يحذر فيها من مغبة ترشحه في بيروت، لأنها ستشكل رسالة تحدي ومواجهة لعائلة الحريري. وتكشف المعلومات أن الحريري كان بصدد إصدار بيان تصعيدي لتحشيد جمهور المستقبل ضد السنيورة ويدعوهم للإحجام عن المشاركة في الاستحقاق النيابي.
لذلك اختار السنيورة أقصر الطرق والخيار الأقل كلفة، والمواجهة عن بعد،، أي “الانخراط بالاستحقاق بشكل كامل من دون ترشّح” كما قال.
لكن أين الشارع السني من هذا الواقع الانقسامي والمعقد داخل “البيت السني”؟
ثمة من يقول إن الشارع المستقبلي والسني عمومًا يمر في أصعب مرحلة ومفترق طرق خطير في تاريخ لبنان، ويواجه خيارات أحلاها مرّ.. فمن جهة يريد التعاطف مع الحريري الزعيم الأول للسنة في لبنان لما يشكله من رمزية، ومن جهة ثانية لا يريد إخلاء الساحة لأخصام الحريري والذين ساهموا بإحراجه فإخراجه من المشهدين السياسي والانتخابي.. كما يتخوف هذا الشارع من أن تملأ الفراغ قوى متطرفة أو تابعة لحزب الله كما يخوف السنيورة أهل السنة دائماً.