خطاب بري.. خريطة طريق ورسائل سياسية مُشفّرة!

/محمد حمية/

رغم الطابع التقليدي الذي طغى على الخطاب الانتخابي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، والذي أكد فيه على الثوابت ورسم خريطة طريق انتخابية – سياسية للمرحلة المقبلة، لكنه لم يخلُ من الرسائل السياسية المشفرة من قصر الرئاسة الثانية باتجاهات متعددة.

ألقى رئيس حركة أمل عن كاهله ملف حسم مرشحي الحركة بتعقيداته “الحركية” و”المناطقية” والقضائية والسياسية، مُبقياً على أغلب أعضاء كتلة التنمية والتحرير، واقتصر التغيير على نائبين حركيين هما محمد نصرالله وعلي بزي واثنين آخرين في “الكتلة الخضراء” هما ياسين جابر وأنور الخليل، وكما كان متوقعاً فقد ثبت أقدام ومواقع النائبين الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر لضرورات “الحصانة النيابية” في قضية تفجير مرفأ بيروت، قاطعاً الطريق على مخطط الاستفراد بهما بعد نزع الحصانة عنهما، وهذا ما يراهن عليه القاضي طارق بيطار بحسب المتابعين للملف.

قارب العناوين السياسية والاقتصادية التي تُحيط بالاستحقاق النيابي، وترك أمر التحالفات حتى استكمال المشاورات مع باقي الأطراف السياسية، وإن بات محسوماً التحالف الكامل والمتكامل مع حزب الله، ومع التيار الوطني الحر في بعض الدوائر ذات الحضور الثلاثي المشترك لـ”الحركة” و”الحزب” و”التيار”. لكن الإشكالية، بحسب أوساط حركية، تكّمُن في طبيعة التحالف على الساحة السنية في ظل عدم اكتمال الصورة بانتظار حسم الرئيس فؤاد السنيورة أمره، واكتمال عقد اللوائح السنية في مختلف المناطق لتحديد التحالفات النهائية.

وحتى اتضاح مشهد التحالفات، أجرى رئيس المجلس جردة حساب وقراءة للواقع المحلي في ضوء التطورات الإقليمية والدولية، ولاحظ الاهتمام الدولي غير المسبوق ـ كما قال ـ بالاستحقاق النيابي رغم “التشتت” و”التشظي” الدولي إثر الحرب الروسية ـ الأوكرانية..

ماذا يخفي هذا الاهتمام؟

المطلعون على الكواليس السياسية يكشفون عن مشروع خارجي غربي للانقلاب على الطبقة السياسية الحالية، بدأ منذ احتجاز الرئيس سعد الحريري في السعودية في العام 2017. ثم حلقته الثانية في تشرين 2019 بافتعال الأحداث في الشارع، واستغلال الأوضاع المالية والاقتصادية لإشعال “ثورة” أظهرت الوقائع لاحقاً حجم “سوس” التسييس الذي نخرها حتى أصابها “العفن”. واستُكمِل المشروع بإقصاء الحريري عن المشهدين السياسي والانتخابي قبيل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، بالتوازي مع الضغط على قوى سنية أخرى لعدم الترشح،  كالرؤساء نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام والنائب نهاد المشنوق وغيرهم، لـ”تفتيت” الساحة السنية التقليدية، وخلق كتلة نيابية تُدين بالولاء المباشر لواشنطن والخليج، تتحول قوة وازنة في المجلس النيابي والحكومة لمواجهة حزب الله وحلفائه والدفع لتنفيذ الشروط الأميركية، والتسويق لمناخ التطبيع الذي يجري على قدم وساق في المنطقة.. فالهدف إضعاف “الثنائي” أمل وحزب الله والتيار السياسي المتحالف والموالي للمقاومة، حتى وإن تم كسر الطبقة السياسية برمتها.. لكن المطلعون يؤكدون بأن تيار المقاومة سيتوسع في الانتخابات، وهذا ما تكشفه أرقام الدراسات واستطلاعات الرأي التي كانت محل نقاش في السفارة الأميركية في بيروت في اجتماعات عدة مؤخراً.

ولم يوفّر بري في رسائله “المعارضة الشيعية” التي تقسم إلى قسمين: الأول معارضة موضوعية وديمقراطية ووطنية، والثانية هم “سياسيو الصدفة” ويحملون مشروعاً سياسياً خارجياً يهدف لنزع سلاح المقاومة.

وجاء رد “العين” سريعاً على كلام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، رغم “تحالف الضرورة” الانتخابي بينهما، وذلك برفض مشروع اللامركزية المالية التي نادى بها باسيل ورئيس الجمهورية ميشال عون، وذلك انسجاما مع الدستور واتفاق الطائف الذي ينص على اللامركزية الإدارية الموسعة وليس المالية التي تمهد للتقسيم و”الفدرلة”.

ولم يغُض بري طرفه جنوباً، فأعاد موقفه من ملف ترسيم الحدود الذي يكتسب أهميته، كونه الموقف الأول العلني والمباشر له بعد الضجة السياسية والإعلامية التي رافقت الزيارة الأخيرة للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت.. فأكد بري تمسكه باتفاق الاطار الذي يدعم استمرار المفاوضات غير المباشرة، والالتزام بما تُفضي اليه، وضرورة أن تنطلق من البر وليس من البحر، والأهم أن بري جدد إشارته الضمنية بأن مهمته انتهت بوضع اتفاق الاطار.

المطلعون يوضحون نقطة هامة في هذا السياق، وهي أن “اتفاق الاطار” لا يتحدث عن حدود أو خطوط، بل هو اطار للتفاوض ولا يغوص في التفاصيل التقنية – البحرية. لكن بري وجه رسالة مثلثة الاضلاع للأميركيين وللإسرائيليين بأننا لن نتنازل عن حقوق لبنان في الثروة النفطية والغازية رغم الضغوط الاقتصادية والسياسية، ورفض أي نوع من أنواع الابتزاز والاغراءات بمناصب ودعم مالي وشعبي حملها هوكشتاين خلال زيارته الأخيرة، ليؤكد بري أن لا تنازل عن السيادة وأن الموقع والشرعية يُستمدان من القواعد الشعبية وليس من الخارج. والرسالة الثانية تحمل تحذيراً الى بعبدا لعدم التنازل والمساومة في ملف الترسيم السيادي وعدم ربطه بحسابات واستحقاقات سياسية محلية أخرى.