مصارف لبنان: صراع “الإخوة” على ما تبقّى

جريدة الأخبار

| محمد وهبة |

تعقد، اليوم، جمعية مصارف لبنان جمعية عمومية غير عادية بناءً على دعوة مجلس الإدارة، وعلى جدول أعمالها مشروع تعديل النظام الداخلي بما يتيح التمديد لرئيس مجلس الإدارة الحالي سليم صفير، لمدّة سنة إضافية بعد تمديد سابق لمدّة سنة. ووفق الاتصالات التي كانت جارية حتى أمس، فإنه لا يتوقع أن يتأمّن نصاب الجمعية العمومية، بسبب اعتراض مجموعة من المصارف المتوسطة والصغيرة التي تطالب بأن يتم تمثيلها بعضوين في المجلس، سواء بعدده الحالي البالغ 12 عضواً أو بعد زيادته إلى 14 مقعداً.

في السنوات الخمس الماضية، سجّل انقسام بين المصارف محوره إدارة التعامل مع الأزمة. في أول أيام الأزمة، كانت هناك مجموعة من المصارف (مجموعة مصغّرة عن مجلس الإدارة) التي تعدّ من الأكبر حجماً، تزور السرايا الحكومية وتدعى إلى اجتماعات متصلة بخطّة التعافي وإعادة الهيكلة. وواصلت هذه المجموعة بعقد لقاءات خاصة مع المسؤولين، سواء في الحكومة اللبنانية أو مع ممثلي صندوق النقد، أو مع أي أطراف أخرى معنية.

وطوال هذه الفترة برز إلى الواجهة عدد من المشاريع المتعلقة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإعادة التوازن إلى القطاع المالي، والكابيتال كونترول، وغيرها من المشاريع التي استحوذت على أخذ وردّ بين المعنيّين والمصارف، إلا أن المصرفيين المعترضين الذين يدّعون أن عددهم يصل إلى 15 مصرفاً، يتّهمون المجموعة المصغّرة بأنها تعمل وفقاً لمصالحها الخاصة بعيداً عن مصالح القطاع المصرفي بكامله. وفي هذه المجموعة انقسام طفيف أيضاً، بين من يريد أن «يُلاطف» المصارف الأصغر، وبين من لا يهتم بها. والاتهامات الموجّهة للمجموعة، تتضمّن أيضاً أنها لا تريد الضغط على الحكومة لتتحمّل مسؤولية الخسائر، وأنها هي التي شاركت مع مصرف لبنان بوصفهم «صانعي السوق» في استدراج الودائع وتبديدها، وهو مسار لم يكن في إمكان المصارف الصغيرة والمتوسطة مواجهته، بل كان عليها أن تنخرط فيه أن تخسر وتخرج من السوق.

المصارف الكبرى كانت «محظيّة» لدى حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، علماً أن لائحة المحظيين كانت تتضمّن عدداً محدوداً من المصارف الصغرى أيضاً. لكن الحال قبل الانهيار لم يكن يسمح بإخراج المشاكل إلى الواجهة، إذ كان التنافس على «الجبنة»، بينما الوضع الآن مختلف تماماً، إذ إن التنافس على حجم الخسارة التي سيتحمّلها كل مصرف. لذا، إن توصيف الانهيار المصرفي بأنه ناتج من «أزمة نظامية» هدفه التصويب على «صانعي السوق» الذين يعملون تبعاً للأرقام التي ترد في ميزانياتهم، وليس تبعاً لمصالح كل اللاعبين في السوق.

فإذا كانت الميزانية تشير إلى إمكانية الإنقاذ وفق معايير محدّدة، فإن صانعي السوق لا يبالون إذا كانت هذه المعايير تنطبق على المصارف الصغرى والمتوسطة، ولو أن هذه الأخيرة غرقت بسببهم. وصانعو السوق لديهم إمكانات أكبر لأسباب موضوعية، فهم حصلوا على الأموال من مصرف لبنان بالعملة الأجنبية واشتروا بها مؤسسات وأملاكاً في خارج لبنان هي الآن موجودة ضمن أصولهم ويمكنهم تسييلها. وهم كانت لهم الأولوية في الهندسات المالية التي درّت مبالغ طائلة على المصارف، سواء جرى توزيعها كأرباح أو جرى تضمينها في رأس المال. على أيّ حال، ما تطالب به المصارف الصغيرة والمتوسطة هو أن يكون هناك علاج على مستوى واحد للجميع يهدف إلى استعادة الثقة. فهل تستعاد الثقة من أجل بضعة مصارف كبرى، أم من أجل القطاع المصرفي كلّه؟

وسط هذا الوضع كلّه، استجمعت المصارف الصغيرة قواها من أجل منع نصاب الجمعية العمومية الذي يتطلب 75% من الأصوات، وهي تدّعي أنها تملك أكثر من 30% بيدها، وأن ثمن التمديد لسليم صفير وسائر أعضاء مجلس الإدارة هو تمثيل المصارف الصغيرة بعضوين، سواء تم الاتفاق على إبقاء عدد الأعضاء 12 عضواً، أو توسيع مجلس الإدارة إلى 14 عضواً.

وفي كل الأحوال، لم يصل الانقسام المصرفي إلى الدرجة التي يصبح فيها مماثلاً للانقسام الذي شهدته جمعية المصارف في مطلع التسعينيات حين انقسمت بين مصارف ترغب في الانخراط في إقراض الدولة بالعملة الأجنبية، وفي مصارف ترفض ذلك. الرافضون خرجوا من السوق، بينما الآخرون واصلوا امتصاص الدولارات من المودعين وتبديدها وإخفاء سوء ائتمانهم تحت السجادة لأكثر من 20 سنة حتى انهيار القطاع بكامله. لذا، يبدو الانقسام الحاصل اليوم بين المصرفيين مرتبطاً بالقطعة الأخيرة من الجبنة أكثر ممّا هو انقسام جذري. الكبار يرغبون في الحفاظ على «الشهرة» و«الأصول» (الأصول تتضمّن الأموال السائلة والأملاك المسجلة باسم مؤسساتهم وباسمهم الشخصي وباسم عائلاتهم…) التي راكموها في لبنان والخارج، والصغار ليس لهم إلا أصول محليّة متهالكة يمكن الحفاظ على جزء منها تبعاً لمعايير الإنقاذ المعتمدة.