حقائق تغيّرت بين “دايان” الأول والثاني!

| رندلى جبور |

منذ حوالى خمسة عقود من الزمن، قال وزير حرب العدو الاسرائيلي موشيه دايان “إن اجتياح لبنان لا يحتاج الى أكثر من كتيبة مجنّدات على درّاجات هوائية ومعهم فرقة موسيقية…”!

وبعد خمسة عقود إلا نيّفاً، قال وزير حرب العدو الاسرائيلي يؤاف غالانت “إن إسرائيل قادرة على إعادة لبنان إلى العصر الحجري”.

وما بين التصريحين، النيّة العدوانية والتوسعية هي إياها، ولكنّ الظروف تغيّرت، أو بكلام أكثر دقّة، فإن المقاومة اليوم صنعت ظروفاً مغايِرة.

في العام 1967، حين أدلى “دايان الأول” بتصريحه، قاله باستهزاء العارف أن لا قوة في وجهه. وفي العام 2024 حين أدلى غالانت، “دايان الثاني، بتصريحه، قاله في محاولة هروب فاشلة من أن هذا ليس الواقع، وهو مجرد ضخ معنويات واهمة في الجنود المنهارين والسكان والمستوطنين اليائسين.

ففي عهد “دايان الأول”، كان جيش العدو لا يُقهر وكاتباً لانتصار دامت مفاعيله طويلاً. وفي عهد “دايان الثاني”، فإن جيش العدو يعدّ خسائره المتزايدة يوماً بعد يوم، هو الخارج من سلسلة هزائم بدأت منذ العام ألفين.

وفي عهد “دايان الأول”، لم تكن هناك مقاومة فعلية، بل جيوش إما سلّمت أو استسلمت سريعاً. وفي عهد “دايان الثاني”، باتت هناك مقاومة قوية يُحسب لها ألف حساب في قدراتها العسكرية وتفوُّق رصدها وسِعة بنك أهدافها ودقّتها، وتفاني مجاهديها، وترابط جبهاتها، وتنامي ردعها.

وفي عهد “دايان الأول”، كانت الرواية الصهيونية هي التي تغزو الساحات والفضاءات. وفي عهد “دايان الثاني”، فإن القضية الفلسطينية تتصدّر كل مشهد.

وفي عهد “دايان الأول”، كان الكيان فتيّاً متماسكاً، مبنيّاً على أسس لم تعد قائمة اليوم في ظل تنافر داخلي غير مسبوق، وانقسام حاد بين كل أجزاء البازل التي تشكّل “إسرائيل”.

وفي عهد “طدايان الأول”، كان الجميع ملتفّاً حول “إسرائيل”. وفي عهد “دايان الثاني”، الجميع ـ ما عدا بعض الحمقى ـ يلتف حول إنسانيته التي خدشتها دماء أطفال غزة، والتي استيقظت على وقع صراخ المستشفيات وقرقعة الجوع والدمار الهائل والإبادة الحاصلة.

الفرق شاسع بين أواخر الستينات وبين اليوم، والعرب تغيّروا وتغيّر الكيان، والصورة منقلبة رأساً على عقب، ولمن لم يرها بعد فليتوجّه عند أقرب طبيب عيون…

ومهما صرّح يؤاف ذاك، فإنه ليس “دايان”، لأن الحقيقة اليوم لم تعد تشبه حقيقة ما كان قائماً يوماً.

هذه المرة، لبنان يحتاج إلى كتيبة مجاهدين ومنشدين يجتازون الجليل لتسقط “إسرائيل”، وتعود لا إلى العصر الحجري بل إلى اللا وجود.