“الضاحية” تدرس خيارات المواجهة.. و”السيّد” يمهّد لقرار كبير!

/محمد حمية/

لا تُشبه إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس، اطلالاته الأخيرة في الشكل والمضمون.. فيُمكن لأي متابع لخطابه ملاحظة حجم الاستياء والغضب الذي بدا واضحاً بين ثنايا وتعابير وجهه، ما يُخفي أكثر من دلالة ورسالة للأصدقاء والحلفاء قبل الخصوم والأعداء.

فالحزب المشغول بجبهة عسكرية عريضة، وبحربٍ “سيبرانية” – أمنية – استخبارية مع “إسرائيل” والإرهاب في آن معاً، بموازاة حصار أميركي – خليجي اقتصادي ومالي للبنان وضائقة اجتماعية غير مسبوقة منذ عامين ونصف العام، وجد أن لبنان بحكومته والقيمين على القرار السياسي، ينزلق تدريجياً الى “المستنقع” الأميركي، ليس على مستوى القضايا العادية فحسب، بل في الملفات السيادية والاستراتيجية، كترسيم الحدود والسياسة الخارجية والخيارات الاقتصادية الكبرى، فضلا عن الاستحقاق الانتخابي الذي بات مصيره رهن إشارة السفارة الأميركية في “عوكر”.

فـ”قلب الضاحية” فاض غيظًا ولم يعد يتّسِع لهذه “الغلاظة” الرسمية، ولا احتمال “الشّطط” الحكومي، وتفرد البعض بالقرار وربطه على توقيت ساعة حساباته السياسية ومصالحه المالية، لا سيما بعد انخراط رئاسة الجمهورية في هذا التوجه الخطير بعلمٍ أو بغفلة..

وبحسب ما يشير المطلعون على موقف “حارة حريك”، لـ”الجريدة” لا يُمكن لحزب الله أن يبقى في حكومة تُديرها السفارة الأميركية في بيروت ووزير خارجية محسوب على بعبدا، يسمح لنفسه بإرسال بيان وزارته الى “عوكر” لتنقيحه… فأراد نصرالله توجيه الإنذار الأول “أننا لن نقبل أن نكون رهينة بيد أميركا وهي تحاصر لبنان وتجوع شعبه”.

المطلعون ينقلون امتعاض وقلق الحزب من تصرف الدولة وخضوعها للإملاءات الأميركية، وأن السكوت لم يعد جائزاً حيال تصرف المسؤولين الذي لم يرقَ إلى مستواه الرئيس فؤاد السنيورة في مرحلة رئاسته للحكومة.

والرسالة التي لم يُفصِح عنها نصرالله ومرّرها بين سطور كلماته، هي أن الحزب يرفض العروض الأميركية لترسيم الحدود، والتي كان آخرها العرض المكتوب الذي أرسله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، فتجاهل نصرالله التطرق إلى هذا الملف بشكل مباشر مقصود ويؤكد على الموقف الذي أعلنه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد منذ أيام.

وألقى “السيد” الحجة على رئيسي الجمهورية والحكومة والرافضين للعروض الروسية، بأن آتوا بعروض مُماثلة من الأميركيين لحل الأزمات مقابل هذه “السلة التنازلية”.

ولا يقُل انزعاج الحزب في ملف العروض الروسية وترسيم الحدود شأناً، من امتعاضه حيال الموقف اللبناني من الحرب الروسية – الأوكرانية، أكان في بيان وزارة الخارجية أم بالنسبة للتصويت في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ظُلِل بـ”خيمة” بعبدا و”ختم القصر”، ما سيترك ندوباً في العلاقة بين الضاحية وبعبدا التي لم تعد تشهد الحرارة المعتادة بينهما، ما يضاعف المخاطر على تحالفهما في الانتخابات النيابية المقبلة، لأن هوّة الخلاف تكبر ككرة الثلج بين حليفي “مار مخايل” فيما التواصل السياسي خجول في الآونة الأخيرة.

وروسيا لن تقطع علاقتها بلبنان، فلديها حلفاء يؤيدون سياساتها في لبنان وشركاء في الميدان السوري لسنوات، لكن موسكو تُراهن على هؤلاء الحلفاء لتصويب المسار الرسمي اللبناني، وموقف نصرالله أمس يصب في هذا الاتجاه.

بيد أن ما يُثير غضب وعجب الحزب، بحسب المطلعين، أن من أفرغوا جعبهم من أوراق القوة لتقديمها قرباناً مجانياً للأميركيين، لم ينالوا أي مقابل باستثناء وعود “خُلّبية” واهية تتعلق برفع العقوبات المالية عن “البعض”، وبدعم انتخابي في الاستحقاقين النيابي والرئاسي، والدليل على ذلك مماطلة واشنطن بملف استجرار الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا والأردن، ورغم تسهيل الدول الثلاث، لكن العقدة أميركية تتمثل بتأخير واشنطن تسليم مصر استثناء من “قانون قيصر”، ما يؤكد أن الوعود الأميركية في هذا الصدد لم تكن سوى حركة احتوائية لقطع الطريق على بواخر النفط الإيرانية آنذاك. فماذا جنى حلفاء الاميركيين ـ الجدد والقدامى ـ من أثمان حتى الآن؟

أزاء هذا الواقع تدرس “الضاحية” خياراتها الاقتصادية البديلة لمواجهة نار الضائقة الاقتصادية التي سيشّتد أوارها في الأشهر المقبلة، وقد يعلن الحزب عن هذه الخيارات قبل الانتخابات، وربما بعدها. لكن لن يقف مكتوف الأيدي. وقد يُجدد نصرالله عملية استيراد بواخر النفط الإيراني الى لبنان، ويُعيد إحياء تحذيره النفطي باستقدام بواخر التنقيب الإيرانية الى الشواطئ اللبنانية لاستخراج النفط، إذا ما تمادى الأميركي بسياسة الابتزاز والمماطلة والتماهي الرسمي اللبناني في ملف الترسيم.

ويُمكن تشبيه خطاب نصرالله الأخير، بخطابه الذي سبق “صافرة إبحار” أولى بواخر المازوت الإيرانية الى لبنان، وقد يكون خطاب الأمس يمهّد لقرار كبير سيتخذ على مستوى قيادة الحزب، بالتنسيق مع طهران ودمشق، وربما روسيا، لمواجهة الحصار والحرب الاقتصادية الأميركية، وتقاعس وارتهان الدولة لها.