| علاء حسن |
انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية كما توقعت استطلاعات الرأي الإيرانية بعدم حصول أي مرشح على نسبة الخمسين بالمئة زائد واحد، خصوصاً بعد فشل المحاولات لتوحيد جبهة المحافظين والوقوف خلف مرشح واحد، على عكس جبهة الإصلاحيين الذين تكاتفوا جميعاً حول مرشحهم الوحيد الدكتور مسعود بزشكيان.
وأظهرت نتائج الدورة الأولى مجموعة من المؤشرات التي يجب البناء عليها للدورة الثانية المزمع اجراؤها يوم الجمعة المقبل في الخامس من تموز، وذلك بحسب قانون الانتخابات في إيران.
ومن هذه المؤشرات، انخفاض نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات، لتصبح واقعاً تبني عليه التيارات والأحزاب خططها للمراحل المقبلة، فعلى عكس الدورات السابقة التي كانت تصل فيها نسب المشاركة إلى ما يقارب السبعين في المئة، كمعدل عام، وصلت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات إلى حوالي الأربعين في المئة، في أقل نسبة مشاركة في الانتخابات الرئاسية في ايران بعد الثورة، تليها نسبة المشاركة في انتخابات عام 2021 التي وصلت إلى قرابة الـ48%، وتم تبرير ذلك آنذاك بانتشار وباء كورونا وخوف الكثيرين من النزول إلى أماكن الاقتراع المكتظة بالناس.
المؤشر الآخر هو انخفاض رغبة الشارع الإيراني للثنائية الإصلاحية ـ المحافظة القائمة، نظراً للهوة الحاصلة بين الشعارات المرفوعة في البرامج الانتخابية وبين ما تم تطبيقه على أرض الواقع من قبل الفائزين خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة، بالإضافة إلى عدد من الأزمات التي حصلت في السنوات الماضية، مما جعل الشارع الإيراني يرغب في شخصيات تكون محسوبة عليه أكثر مما تكون محسوبة على التيارات، وهذا ما برر صعود مسعود بزشكيان لجهة التيار الإصلاحي، والذي لا يعد من صقور هذا التيار ولا من شخصياته الإشكالية، وفي المقابل صعود سعيد جليلي عن التيار المحافظ مقابل النسبة القليلة التي حظيت بها شخصية تمتلك سيرة ذاتية عملانية كبيرة مثل محمد باقر قاليباف.
وإذا كان الهم المعيشي والوقوف إلى جانب الشارع، بالإضافة إلى استكمال نهج الرئيس رئيسي الذي وصف بالـ”الخدمة”، كانت العناوين الأبرز للمنافسة الرئاسية للدورة الأولى، فإنه من غير المتوقع أن تستمر هذه العناوين في احتلال الأولوية خلال الأسبوع الحالي وصولاً إلى الدورة الثانية من الانتخابات.
فانطلاقاً مما بدأت الماكينة الانتخابية للتيار الاصلاحي بترويجه، يمكن القول إن العنوان الأبرز سيكون “الحريات”، والتي يفتخر التيار الاصلاحي برفع شعارها طيلة ثلاثة عقود، والعمل على تحقيقها أكثر من الجهة المقابلة. وفي هذا السياق، تم لصق العديد من الصفات للمرشح المنافس سعيد جليلي تتلخص كلها في احتمالية قمع الحريات، نظراً لشخصيته الأصولية، وقربه من دوائر القرار في الدولة العميقة التي تعمل على تحقيق نظرية الحضارة الإسلامية الايرانية. ولعل ابرز هذه التهم أتت على لسان وزير الاتصالات في حكومة الرئيس روحاني، آذري جهرمي الذي غرد قائلاً “لن نسمح بوقوع ايران بيد طالبان”، في إشارة لما يمكن أن يصبح عليه الوضع فيما لو فاز جليلي بالانتخابات.
في المقلب الآخر، فإن التيار المحافظ بدأ بخطوات واجتماعات مكثفة من أجل توحيد الأصوات ودعم جليلي، الذي لو حصل هذا الأمر في الدورة الأولى (جمع الأصوات المؤيدة لجليلي وقاليباف وبورمحمدي والآخرين) لكان مرجحاً فوزه من الدورة الأولى.
يبقى أن حسابات الحقل لا تتفق دوماً مع حسابات البيدر، والاعتماد على هذه المعادلة لوحدها لن يكون كافياً بالتأكيد لضمان فوز المحافظين، خصوصاً في ظل عملية “التسقيط” التي يمارسها الإصلاحيون، كما فعلوها عام 2017 عندما ركزوا على السيرة الذاتية للراحل السيد رئيسي، خصوصاً في ما يتعلق بعمله كنائب عام وغيره من المناصب القضائية، ورسموا شخصية بوليسية عنه، مما ساهم في خسارته بوجه روحاني، على الرغم من انسحاب المرشحين المحافظين الباقين لصالحه، ومنهم قاليباف نفسه. وعلى الرغم من أن روحاني كان أكثر راديكالية في السنوات الأولى من الثورة، لكن ماكينته الإعلامية الأقوى استطاعت أن تبعد عنه تهم التشدد وتلصقها بمنافسه آنذاك إبراهيم رئيسي، حيث كانت من عوامل سقوطه.
النقطة الثانية التي أصبحت مهمة في المنافسة الانتخابية، هي مدى انفتاح ايران على الخارج، وخصوصاً الغرب، وفي هذه النقطة أيضاً يسجل لجليلي عداءه الواضح للدول الغربية، وبالأخص الولايات المتحدة وانكلترا، فضلاً عن تشدده في العلاقات الخارجية عامة من خلال أدائه عندما كان أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي في حكومة الرئيس أحمدي نجاد، وبالتالي خشية الناس من العودة إلى الوراء وحصول عزلة جديدة لإيران لا يريدها الشعب الإيراني بالتأكيد.
النقطة الثالثة مرتبطة بعلاقة مؤيدي قاليباف مع جليلي نفسه، فمؤيدو قاليباف يتهمون جليلي بعرقلة الاتفاق على المرشح الواحد في الدورة الأولى، وكذلك يفعل بالطبع مؤيدو جليلي.
لكن ربما أن قاليباف خرج من السباق الانتخابي، فمن غير الأكيد أن تصب الأصوات التي صوتت له في خانة جليلي بالكامل، وهذا ما يحاول التيار المحافظ الحصول عليه خلال الأيام المقبلة.
على أن وضع بزشكيان ليس في أحسن الأحوال، خصوصاً أن تجربتي خاتمي وروحاني لم تكن الأفضل للشعب الإيراني، ففي الأولى حصلت أزمات داخلية حادة وتشنج ديبلوماسي، وصولاً إلى تنفيذ الولايات المتحدة غزوتي افغانستان والعراق تحت عنوان “صراع الحضارات”، والذي ضرب الشعار الأصلي لحكومة خاتمي المبني أساساً على “حوار الحضارات”، ما سبب نكسة شعبية في حينه، واستداره شعبية عن التيار الإصلاحي أدى إلى فوز أحمدي نجاد لاحقاً. أما بالنسبة لروحاني، فقد وضع بيضه كله في سلة المفاوضات والاتفاق النووي، والذي لم يكد الشعب الإيراني يشعر بنتائجه حتى خرجت الولايات المتحدة منه بشكل منفرد، وسببت خيبة أمل ثانية لدى الشارع الإيراني تجاه التعامل مع الغرب.
تبقى كلمة الفصل لصناديق الاقتراع يوم الجمعة المقبل، فإذا تمكن التيار المحافظ من توحيد أصواته، ودرء تهم التشدد والراديكالية عن مرشحه، كانت حظوظه في الفوز عالية. وفي غير هذه الحالة، قد يميل الشارع الإيراني نحو شخصية غير جدلية مثل مسعود بزشكيان، ليس حباً به وبتياره، بقدر ما هو خوف من عودة إيران لسنوات يسيطر فيه “الأصوليون” على مفاصل الحكومة كما يسيطرون على مفاصل الدولة الرئيسية، مثل القوات المسلحة والأمن القومي والسياسة الخارجية وغيرها. وحتى ذلك الحين ستكون “البروباغندا” السياسية سيدة الموقف.