| نعمه نعمه |
تعقد لجنة التربية النيابية، اليوم، جلسة لدرس اقتراح قانون مقدم من النائبين حليمة القعقور وأسامة سعد لتعديل قانون التنظيم للموازنات المدرسية الرقم 515 في تاريخ 6 حزيران 1996، لتفعيل بعض مواده من أجل ضمان الشفافية والحوكمة وأصول المحاسبة العمومية في الموازنات ودور لجان الأهل وحماية حقوقها. ويشارك في النقاش ممثلون عن لجان الأهل وإدارات المدارس ونقابة المعلمين، إضافة إلى اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الذي يرفض مشروع التعديل المقترح مطلقاً، خصوصاً أنه يعدّ مشروعاً للتعديل يحرّر المدارس من أي رقابة رسمية أو مشاركة للجان الأهل في إقرار الموازنات.
عشية الجلسة، برز موقف للأمين العام للمدارس الإنجيلية، نبيل القسطا، إذ أشار في برنامج إذاعي إلى «أننا نعيش وفقاً لشريعة الغاب بغياب الدولة. فلا محاسبة في المدارس وكل طرف يدبّر أموره. وزارة التربية تعمل ما في وسعها، والمسؤولية الكبرى تقع على مجلس النواب»، مؤكداً أن «القانون 515 انتهى لأننا انتقلنا إلى الدولار، وبات كل شيء خاضعاً للعرض والطلب، بما في ذلك رواتب المعلمين.
في العادة، كانت الدولة وقوانينها تحمي المدارس، أما اليوم، فأصبحت المدارس تغطي انهيار الدولة ومؤسساتها». وأيّد القسطا كلام منسق الاتحاد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، يوسف نصر، لجهة أن «كل 100 دولار تعطى للمعلم توازي 300 دولار على التلميذ». ورأى أن «التحدي الأكبر هو تعويضات نهاية الخدمة للمعلمين من صندوق التعويضات»، لافتاً إلى أن المشروع المقدم من لجان الأهل لتعديل القانون 515 يعني «تسليم المدرسة إلى لجان الأهل»، ونرفض ذلك. فلكل مدرسة خاصة مالك، والرقابة عليها تكون من الوزارة، والمدرسة الخاصة لديها حرية زيادة القسط أو إنقاصه»، وإذا كان ذلك لا يعجب الأهل، «فليبحثوا عن مدارس أخرى».
بالغ القسطا حين قال إن الاتحاد يمثل 75% من الملتحقين بالمدارس الخاصة. إذ إن الملتحقين بالمدارس المجانية وغير المجانية المنتسبة إلى الاتحاد يمثلون نحو 400 ألف تلميذ من 740 ألفاً، أي ما يقارب 55%. أما مدارس الأفراد والإرساليات العلمانية والشركات التي لا تنتمي إلى الاتحاد، فتستقطب نحو 40% من التلامذة، وهي نسبة عالية يتوجّب تمثيلها في صندوق التعويضات الذي يستبعد هذه المدارس لمصلحة الاتحاد.
وللتوضيح، يضم اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة المدارس الطائفية حصراً ما عدا بعض الاستثناءات، إذ يشمل المدارس الكاثوليكية والإنجيلية والأرثوذكسية والمقاصد ومؤسسات أمل التربوية ومدارس مؤسسة الحريري والمهدي والمصطفى والعرفان ومؤسسات أرمنية (بعض هذه المدارس يتمتع باستقلالية ومشروع منفصل عن التوجه العام للاتحاد ويلتزم بالقوانين). ويمثل الاتحاد المشاريع التربوية للطوائف، ولا سيما المدارس الكاثوليكية التي تستحوذ وحدها على 320 مدرسة من أصل نحو 1500 خاصة مجانية وغير مجانية و200 ألف تلميذ، ولا يمثل رأي الدولة اللبنانية ورؤيتها التأسيسية للتعليم.
وعندما أعطت الدولة للطوائف والأفراد هذا الحق المنصوص عليه في المادة العاشرة من الدستور المتعلقة بحرية التعليم وحق الطوائف في إنشاء مدارسها، تناست المدارس الشروط المحددة في المادة نفسها التي تقيّد الحرية بالنظام العام. أضف إلى ذلك أن الدولة أعفت هذه المؤسسات من الضرائب وعدد من الرسوم على أساس أنها مؤسسات «ذات منفعة عامة وغير ربحية».
يتحدث القسطا، باسم الاتحاد، عن غياب الدولة والقوانين وعدم صلاحيتها وعن نهاية القانون 515/96، في حين أن الوقائع تشير إلى تعطل كثير من القوانين في ظل الانهيار الاقتصادي، ولا سيما المرتبطة بالنقد والعقود المالية، كما أن مراجعةً للتاريخ البعيد والقريب توضح أن المدارس الطائفية والخاصة كانت جزءاً من عوامل انهيار الدولة. فالجميع يذكر امتناع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة عن تطبيق القانون 46/2017 الخاص بسلسلة الرتب والرواتب، إذ عارضه ممثلو الاتحاد في صندوق التعويضات لأكثر من 4 سنوات وامتنعوا عن سداد قسم منه للمعلمين قبل أن يفعلوا ذلك بعدما تراجعت قيمة التعويضات عقب الانهيار، كما تمنّع كثير من المدارس عن سداد مستحقاته للصندوق.
وقبل ذلك، رفضت المدارس دفع تصحيح الأجور عام 2012، وأضافت بنداً مخالفاً للقانون على موازنات المدارس (مساهمة في أي زيادة مرتقبة) فراكمت أرباحاً طائلة على مدى 5 سنوات. وإشارة القسطا إلى «أننا صرنا بإدارة حرة ونخضع للعرض والطلب» يعني حق المدارس بالربح، ما يوجب إخضاعها للرقابة المالية ونظام الضرائب على الأرباح، وإخضاع عقود المعلمين لقانون الموجبات والعقود، كما يعني أن المدارس لم تعد مؤسسات منفعة عامة أو غير ربحية.
أما الإشارة إلى أن الدولة بقوانينها هي حامي المدارس الخاصة، فهذه حقيقة، إذ تغطي الدولة أكثر من ثلث رقم أعمال المدارس الخاصة من صناديق تعاونية موظفي الدولة والإدارة العامة والمصالح والصناديق الأخرى المختلفة. وغالبية المدارس المنضوية في اتحاد المدارس، رغم تصريحاتها المتكررة بالتزامها القوانين، لا تلتزم بها وفي كل مرة نكتشف أنماطاً جديدة من المخالفات في عدد من المدارس الطائفية تكلف الأهالي أقساطاً مضاعفة وتلاعباً مالياً وأرباحاً غير قانونية وتزويراً… واللائحة تطول. أما تقارير التدقيق المالي والإداري الرسمي، فتقبع في جوارير الوزارة التي لا تأخذ أي إجراء بسبب ضغوط تمارسها الطوائف الراعية لهذه المدارس. تعطيل القوانين والمحاسبة وقوانين المحاسبة العمومية هو سيرة المدارس المحمية بمالكيها ورعاتها من رجال دين ومؤسسات دينية تعمل ليل نهار لحماية إيراداتها الربحية من دون رقابة أو محاسبة، وهي منذ إقرار القانون 515/96 تعطل تشكيل المجالس التحكيمية التربوية، وتهيمن على مصلحة التعليم الخاص، وتمنع تطبيق المادة 13 من القانون، بزرع رئيس مصلحة خاضع تماماً لسلطة المدارس وراعيها.
أما التهويل بأنّ لجان الأهل بعد التعديل ستتسلم إدارة المدرسة، فتضليل محض، لأن الأهل لم يطلبوا في تعديلهم إلا ما نص عليه القانون 515/96 والاستشارة 75/2015 من هيئة القضايا والتشريع في وزارة العدل، وما أدرج في التعديل هو تفعيل قوانين المحاسبة العمومية والشفافية والحوكمة والتدقيق المالي الذي هو من صلاحيات الوزارة بحسب القانون 515، فلماذا التهويل؟ التهويل تمهيد لشيطنة التعديل وحق لجان الأهل في درس الموازنات وإقرارها، لأن أي تعديل سيربك المدارس الطائفية ويضعها موضع مساءلة ومحاسبة وتدقيق مالي.
ما هي مشكلة المدارس في إرفاق بيانات رسمية موقّعة من الجهات المخولة بقيمة اشتراكات المدارس في صندوق التعويضات والتقاعد للمعلمين أو قيمة اشتراكات المدرسة لصندوق الضمان الصحي وضريبة الدخل المسددة عن كل موظف ومعلم وأجير مرفقة بلوائح اسمية؟ هنا تكمن العقدة الكبيرة. فالمدارس لا تقدّم بيانات من هذا النوع لأي جهة رقابية لتقارن بينها وبين الأرقام الواردة في الموازنة المدرسية التي تحدد الأقساط، وما تقدمه من لوائح اسمية ورواتب في الموازنة المدرسية مختلف عما تسدده لصندوق التعويضات من اشتراكات مثلاً.
ولتوضيح موضوع ملكية المدارس الطائفية، هذه المدارس ليست ملك أفراد، بل ملك جمعيات حتى ولو كانت بأسماء أشخاص. وليس لمالكيها إن كانوا أديرة أو رهبنات أو مؤسسات دينية إسلامية أو أوقافاً حق جني أرباح منها، خصوصاً المدارس التي من المفترض أنها ذات منفعة عامة وغير ربحية. وبحسب الاستشارة 75/2015 لهيئة القضايا والتشريع، «لا يحق له (مالك الرخصة) أن يتصرف بهذا التعويض، في بعض الحالات، إلا بموافقة لجنة الأهل»، ناهيك ببند «مساعدة التلامذة المحتاجين» وغيره. كما أن الاستشارة عينها توضح أن «لا استثناء لأي قيود يمكن للجنة الأهل أو للهيئة المالية الاطلاع عليها سواء كانت مرتبطة أو غير مرتبطة بالموازنة تأميناً للشفافية» فوجب التوضيح.
الاستشارة لم تعجب المدارس ولم تلزم الوزارة ولم يُنفذ أي من بنودها، والتفتيش المركزي نفسه لم يتحرك لمراقبة أداء مصلحة التعليم الخاص بتنفيذ القانون والاستشارة، بينما رأس الكنيسة المارونية يطلب صراحة من رئيس الحكومة عدم نشر تعديل القانون 515 وصندوق التعويضات، والأخير ينفذ ويرد القانون بمخالفة واضحة للدستور. والمفارقة أن البطريرك نفسه، راعي صلاحية رئيس الجمهورية، يتقبل مخالفة الدستور لحماية مصالح المدارس.
لم يخطئ القسطا عندما رمى الأزمة في ملعب المجلس النيابي، فهو لم يقم بواجبه حقاً بسن قوانين تحدّ من سلطان المدارس الخاصة أو متابعة تنفيذها لتعطي الحق لأصحابه. فعلى مدار السنوات العشرين الأخيرة، شهد لبنان تزايداً في أعداد المدارس الخاصة تجاوز الـ 300 مدرسة، بينما لم يرتفع عدد الملتحقين بالتعليم الخاص أكثر من 100 ألف، فهل المدرسة الخاصة مشروع غير ربحي أم مشروع ربحي وسياسي أيضاً؟