أصدرت لجنة الرقابة على المصارف مذكّرة موجهة إلى المصارف ومفوضي المراقبة لديها، تقضي بالطلب من المصارف “التوقف عن خفض التوظيفات لدى مصرف لبنان من جراء الشيكات المصرفية، وعدم إجراء التقاص بين الشيكات والتوظيفات لدى مصرف لبنان أو أي أصول أخرى قبل تنفيذ عملية التحصيل”.
بمعنى أوضح، تطلب لجنة الرقابة على المصارف من المصارف عدم تسجيل الشيكات المصرفية دفترياً (أي اقتطاع قيمتها من موجودات المصرف) عند إصدارها، بل الانتظار حتى يتم تحصيلها في مصرف لبنان. وهذا لا يتم إلا عندما يقوم حامل الشيك بعرضه على مصرف آخر لإيداعه في حسابه أو لتسديد سندات أو فواتير أو أي سبب آخر، وبدوره البنك يعرض هذا الشيك مع شيكات أخرى جمعها من الزبائن، على غرفة المقاصة في مصرف لبنان حيث تم إجراء المقاصة بين كل الشيكات الواردة من المصارف لتحديد ما المبلغ المطلوب من كل مصرف وما المبلغ الوارد إليه، وتسجّل النتيجة في حسابات المصارف لدى مصرف لبنان.وتشير المذكرة، إلى أنه يتوجب على المصارف أن تدوّن في السجل الجديد للشيكات، كل شيك صدر منها للزبائن ولم يتم تحصيله من قِبل الزبون بعد، والأمر نفسه ينطبق على الشيكات الجديدة التي ستصدرها.
والهدف من هذه الخطوة يكمن في رسم خريطة واضحة لسوق الشيكات المصرفية في سياق محاولة لضبط تجارة الشيكات. فهذا الأمر يحتاج أولاً إلى معرفة حجم السوق، وعدد الشيكات المتداولة التي لم يتم مقاصّتها بعد. فمن الطبيعي أن يكون التحكّم في التعامل بالشيكات المصرفية بالطريقة التي انتشرت بعد الأزمة هدفاً لأي هيئة تُعنى بشأن القطاع المصرفي، وعلى رأسها مصرف لبنان. إلا أن مثل هذا القرار يأتي متأخراً، إذ إن الشيكات المصرفية قد استُخدمت لسداد جزء كبير جداً من القروض، ما أسهم في قضم شريحة ضخمة من الودائع. وهذه الشيكات لم تعد تُستخدم بهذه الغاية اليوم.
الشيكات هي إحدى وسائل الدفع، بمعنى أنها قد لا تنتقل مباشرة ممن يحملها إلى المصرف، بل قد يدفع بواسطتها ديناً آخر لشخص ثالث (ما يسمّى تجيير الشيك)، وقد لا يتم الاكتفاء بهذه الدورة، إذ يمكن للشخص الثالث أن يدفعها لغيره وقد تنتقل الشيكات بين عدد كبير من الأشخاص قبل أن تُعرض على المصرف للتحصيل. وهذا الأمر كان يحصل بشكل عادي قبل الأزمة وانهيار القطاع المصرفي والليرة اللبنانية، إلا أنه بعد الانهيار، تطوّرت وظيفة وسيلة الدفع هذه نحو التجارة، باعتبار أن سعرَ الشيك المصرفي بالدولار صار أقلّ من سعر الدولار النقدي.
وقد استُخدمت الشيكات في السوق لتسوية كثير من المعاملات البسيطة والمركّبة، أي التي تشمل مثلاً عملية بيع وشراء عقار مثلاً، أو التي تشمل عملية البيع ثم يتم بيع الشيك وتحصيله من آخرين مقابل النقد بأسعار أعلى مضافاً إليها عمولات… وهذا النوع من العمليات تكثّف في الأشهر الأولى من الأزمة ثم أصبح هائلاً مع ازدياد الفروقات في الأسعار بين سعر صرف الدولار المعتمد في المصارف وذلك المعتمد في السوق الفعلية.
وقد استُخدمت الشيكات كوسيلة لتهريب الودائع من المصارف، أو كوسيلة لتسديد قروض بأسعار بخسة نسبياً. أي إنها كانت الوسيلة الأساسية في عملية نقل الثروة من المودعين إلى المُقترضين، وخصوصاً المقترضين الكبار، الذين استطاعوا أن يُسددوا قروضهم بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية، مستفيدين من القدرة على شراء الشيكات المصرفية بأسعار أقل من قيمتها الدفترية لتسديد القروض.
عملياً، وبحسب تقرير لـ Blominvest بعنوان «تقدير الخسائر التي تتكبدها المصارف بسبب استرداد القروض: أيلول 2019 – كانون الأول 2022»، بلغت قيمة الخسائر التي تكبّدتها المصارف بسبب تسديد القروض على سعر صرف أقلّ من سعر السوق نحو 15.6 مليار دولار. وهذا الأمر يُعيد الحديث عن فكرة تسديد القروض بأسعار صرف منخفضة، وإحدى الطرق لحصول هذا الأمر كانت عبر الشيكات المصرفية، وأن هذه العملية لم تكن خسارة على المصارف أكثر من كونها خسارة على المودعين. في حين أن المشكلة الأساسية كانت في أساس إقراض المصارف بالعملات الأجنبية التي لا يستطيع المصرف المركزي أن يطبعها أو يتحكّم فيها في حال وقوع الخسائر.