لبنان “يربّع الدائرة”.. و”يتربّع” في عين العاصفة الروسيّة ـ الأوكرانيّة

/ جورج علم /

عندما إنطلقت جائحة “كورونا” من مدينة ووهان الصينيّة  في أوائل ديسمبر/ كانون الأول 2019، لم يأبه العالم إلاّ بعد مرور أشهر، تفشّى خلالها الوباء، وراح يحصد آلاف الضحايا.

بعد مرور نيف وثلاث سنوات، تغيّر وجه الأرض، لا الوباء خفّت وطأته، ولا تداعياته همدت، وطال التغيير كلّ شيء: الاستراتيجيات، والبنى السياسيّة، والاقتصادية، والاجتماعيّة، والصحيّة، والتربويّة، والثقافيّة، والعلاقات بين الناس، فضلا عن العادات، والتقاليد، وسبل العيش…

مع بداية الأزمة الروسيّة ـ الأوكرانيّة وضع العالم يده على قلبه خوفاً من “جائحة” جديدة قد تكون، من حيث مفاعيلها، أدهى من “جائحة كورونا”، وقد بدأت الارتدادات: أوروبا تحاصر نفسها بالعقوبات، والسلم الدولي يبحث عن ضمانات، فيما النظام المالي ـ الإقتصادي الحر يواجه شرخاً عموديّاً يسهم في استقطاب جيوسياسي، أبعد من حرب باردة، وأقل من مواجهة نووية.

  • الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نعى القيم التي قام عليها ميثاق الأمم المتحدة، وقال: عندما لا تحترم بنود هذا الميثاق، وعندما تتصرف دول موقّعة عليه، وتمعن بخرقه غير آبهة لحرمته، فما الجدوى من وجوده وبقائه؟!
  • الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون قال: “إن الأزمة طويلة، ويجب أن نستعد لها بكل الإمكانات”!
  • الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أكد بأن “الحوار هو السبيل الوحيد، لتلافي الأدهى”.
  • العقوبات التي أعلنت عنها كلّ من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والدول الصناعية السبع، والحلف الأطلسي (الناتو)، والعديد من الدول القريبة، والبعيدة، سيكون لها تأثير بالغ على الطاقة، والصناعة، والتجارة، والزراعة، والغذاء، والنظم الماليّة، والمصرفيّة، بحيث يتساوى الجميع بالتشظي، ولن يكون هناك من رابح وخاسر.
  • إن ردود الفعل الأوليّة على الأزمة ـ “الجائحة”، تعكس اصطفافات جديدة، واحتمال صراع محاور بدأت مظاهره في فيينا حول طاولة المفاوضات النووية حيث وقفت روسيا والصين الى جانب إيران، مقابل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والمانيا.

وليس الشرق الأوسط بمنأى.

تتحدث التقارير الدبلوماسيّة عن عملية خلط أوراق واسعة سوف تشهدها دول المنطقة، انطلاقا من:

1 ـ عودة الإستقطاب الدولي بأخطر مظاهره ما بين المحور الروسي، ومن معه، والولايات المتحدة، ومن معها، فيما “الضحايا” تتوزّع ما بين الدول النامية، والفقيرة الملزمة ان تكون حكماً بجانب هذا الاصطفاف، أو ذاك، لتأمين الاستمراريّة.

2 ـ إن الروسي في سوريا، وعلى شاطىء المتوسط.. فيما الأميركي، قواعده لا تحتاج إلى دليل، وامتداداته واضحة في دول المنطقة.

3 ـ إن الاستقرار السياسي ـ الأمني ـ الاقتصادي ـ الاجتماعي، هو في عين العاصفة، لأن صراع المحاور سوف يتسلّل، ويدفع بكل دولة، بقرارها أو “بإجبارها”، أن تكون مع هذا المحور، او ذاك، تحت وابل من المغريات، أو الضغوطات.

4 ـ إن إيران جزء أساسي من المشهد الإقليمي، إنطلاقا من اليمن، إلى الخليج، وصولاً إلى العراق، وسوريا، ولبنان. إنها حاليّا في موقع “بيضة القبّان”، يحاول الأميركي إستمالتها من خلال الاتفاق النووي، ورفع العقوبات، فيما يحاول الروسي المتحصّن في سوريا أن يشبك معها تحالفاً استراتيجيّاً، كان قد أرسى لبنته الأولى الرئيس إبراهيم رئيسي عندما زار موسكو مؤخراً.

  • الدول العربيّة، نأت بنفسها، وعينها على مصالحها. وحده لبنان قرر ان يربّع الدائرة، يقف حاليّا منقسماً على نفسه أمام الزلزال الكبير. رسميّاً: أدان التدخل الروسي، وصفقت له السفيرتان الأميركيّة والفرنسيّة. سياسيّاً: هناك معارضة وازنة مؤيدة للعلاقات اللبنانية ـ الروسيّة بمختلف وجوهها ومفاصلها. والخطر أن الإنقسام يتعمّق نتيجة التدخلات الخارجيّة، وقد ينعكس سلباً على الإستحقاقات الدستورية، ويُبقي الساحة أمام فوضى عارمة مفتوحة على كل الاحتمالات.

وحده حزب الله يملك راداراً لاقطا لكل الذبذبات، من فيينا إلى طهران، ومن موسكو إلى كييف، وكل الناشطين على الموجة. له حسابات جارية في الداخل، والإقليم. وقادر على التحكم بالدفة، وفق مسار الريح!

5 ـ إ سرائيل هنا، ولها مطامع ومطامح، واستراتيجيّة تطبيعيّة جديدة، ومخاوف من التمدد الإيراني أفقيّاً، وعموديّاً. أفقيّا: على مستوى الأذرعة في الإقليم. وعموديّاً: من خلال رفع منسوب تخصيب اليورانيوم، وامتلاك القنبلة النووية. كيف ستتصرف إسرائيل؟… الإنتظار سمة المرحلة؟

6 ـ الأمن الغذائي، والتحديات المستجدة.

تحتل أوكرانيا المرتبة 56 من إقتصاديات العالم. إنها من أهم الدول المصدرة للمنتجات الزراعيّة، تشمل الزراعة ثلثي مساحتها (603.542 كلم مربع). يشكّل إنتاجها للقمح 12 بالمئة من إنتاج العالم. 16 بالمئة من الذرة. 18 بالمئة من الشعير. 18 بالمئة من زيت زهرة الشمس. وتعتبر مصر الدولة العربيّة الأولى التي تعتمد على صادرات أوكرانيا من القمح والذرة، إلى جانب كلّ من روسيا، والصين، والمانيا، وبولندا، وإيطاليا…

يبحث العالم اليوم عن تحالفات جديدة، عن مصادر مختلفة لتأمين أمنه الغذائي، نتيجة البركان المتفجر عند أطراف أوروبا الشرقية…

أما لبنان الأبي، فيبحث عن مخزونه… يقال بأنه قد لا يكفي لأكثر من شهر!… لكن، ماذا عن اليوم التالي…؟!