| علاء حسن |
مر أكثر من ثمانية أشهر على بدء معركة طوفان الأقصى، وقد قيل خلال المعركة الكثير وغاب الكثير نتيجة تسارع حدة الميدان وعدم قدرة التحليل في مواكبة هذه السرعة. لكن كانت هناك محطات شكلت منعطفات في هذه المعركة المستمرة، ومنها الارتقاء العامودي والافقي الذي مارسه محور المقاومة وفي صلبه “حزب الله” في لبنان.
على أن هذا التصعيد التدريجي، وبعد عجز العدو عن تحقيق أي هدف من استمرار الحرب، تحول لاحقاً إلى تصعيد ردعي.
وحاولت المقاومة، من خلال ما كشفته بالتدريج عن قدراتها، تصويب حسابات العدو في ما يتعلق برغبته التوسع نحو الشمال من أجل خلط الأوراق من جديد، والبحث في كومة القش المتناثرة عن مخرج يبعده عن إعلان الهزيمة النكراء.
على أن العدو حاول أيضاً اعتماد أسلوب الإطفائيين في إطفاء المناطق الزراعية والحرجية، وهي إشعال نار مسيطر عليها وإيجاد منطقة طوق محروقة تمنع تمدد النار القادمة، نظراً لوصول النار إلى منطقة محروقة أصلاً، وبالتالي تتعرض للانكماش والإطفاء شيئاً فشيئاً.
لقد حاولت المقاومة في لبنان إفهامه للعدو، من خلال التدرج في إظهار قدراتها، بأنه مخطئ إذا ما ظن أن توسيع رقعة الحرب نحو الجنوب اللبناني هو خلق منطقة طوق، بل هي إشعال غير مدروس سيؤدي إلى حرق المنطقة بأكملها (الشرق الأوسط)، وهو ما لا تتحمله القوى العظمى في المرحلة الحالية على الأقل.
لكن ما أعلنه الأمين العام لـ”حزب الله” عن السيناريو المتوقع، في حال اندلاع الحرب، لا يشبه بتاتاً ما سبقه من تهديدات تردع العدو، بل لا يظهر عليه أنه من سنخية الردع بقدر ما هو من سنخية العشاء الأخير.
فقد كان خطاب السيد نصر الله في ذكرى أسبوع الشهيد طالب عبدالله (أبو طالب) ورفاقه، أشبه بنزول أخيليس إلى الميدان، بل ربما أشبه بقيام الإمام علي بن أبي طالب لمواجهة عمرو بن عبد الود العامري يوم معركة الخندق.. وفي كلتا القصتين انتهى القتال إلى تدمير الأعداء وهزيمتهم هزيمة شبه نهائية.
وبالعودة إلى مضمون خطاب السيد نصر الله، فقد تحدث عن قدرات المقاومة، وعن الكمّ المعلوماتي الذي تمتلكه، فضلاً عن التجربة في الميدان، وعدم توقف الامدادات… لكن كل ذلك كان تمهيداً لثلاث نقاط جوهرية مررها السيد نصر الله بطريقته الخاصة في طيات الخطاب بشكل سلس، موحياً للمستمع بمستوى الثقة التي ينطلق منها في مواقفه:
ـ النقطة الأولى هي استمرار إمكانية الدخول إلى الجليل، وهذا كان رسالة واضحة للمبعوث الأميركي قبل العدو الصهيوني، من أجل الكف عن العبثية التي يمارسها قبل توقف القتال.
ـ النقطة الثانية هي نوعية التدمير الذي سوف يؤدي إلى انهيار الكيان، وذلك عندما قال “يمكن أن يسقط ألف مبنى في الكيان ولا ينهار، ولكن يمكن أن يسقط عدد أقل ويؤدي إلى انهياره… والاسرائيلي يعلم عما أتحدث”.
ـ النقطة الثالثة هي ذكر قبرص بالإسم، والتهديد باستهدافها في الحرب المقبلة.
بالتالي، إذا ما أردنا تركيب قطع البازل التي وردت في خطاب السيد نصر الله، بالإضافة إلى تأكيده على ما قاله سابقاً حول أن أي حرب مستقبلية ستخوضها المقاومة بلا ضوابط ولا قواعد ولا أسقف، سنصل إلى الصورة التالية:
يبدو أن “حزب الله” قد تلقى إشارات جدية عن نية إسرائيلية بتوسيع رقعة الحرب مع لبنان، لتصل إلى شن هجوم شامل قد لا يقتصر على منطقة جنوب الليطاني. وهذه الإشارات تتقاطع مع ما يصدر عن قادة الكيان، بالإضافة إلى حاجته، بحسب قراءة الوقائع. وعليه قرر الأمين العام لـ”حزب الله” أن يعلن عن السيناريو الوحيد الذي سينفّذ فيما لو أقدم العدو على هذه الخطوة، ويتلخص هذا السيناريو بتدمير البنية التحتية الاستراتيجية للعدو، مما سيضطره إلى استخدام منشآت بديلة تم تجهيزها مسبقاً في قبرص، وسيتم تدمير هذه المنشآت البديلة أيضاً، الأمر الذي يعني تدمير قدرة الكيان على المواجهة، وبالتالي يصبح دخول الجليل من الشمال ومصافحة القوات القادمة من الجنوب (المقاومة الفلسطينية) أمراً ممكناً، وكل ذلك لن يعني شيئاً سوى أن الحرب القادمة ـ إذا ما اندلعت ـ ستكون الحرب الأخيرة للكيان في هذه المنطقة، وأن المنطقة بعد هذه الحرب لا بد أن تكون خالية من شيء اسمه “إسرائيل”، وفي سبيل هذا الهدف سعت المقاومة طوال سنوات لعدم التلهي بمعارك جانبية، حتى مع الكيان نفسه، حتى إذا ما حانت هذه اللحظة صبت جام غضبها عليه براً وبحراً وجواً وتعود فلسطين مع ترانيم النصر الآتي…