| زينب حمود |
ما يخرج إلى العلن من حوادث اغتصاب وتحرّش جنسي تتعرّض لها النساء المعوّقات ذهنياً، يبقى أقل بكثير مما هو موجود فعلياً. فبعد انتشار جائحة كورونا وما رافقها من حجر منزلي وارتفاع كلفة المواصلات والاتصالات جراء الأزمة الاقتصادية، «تعذّر التواصل بين الأشخاص المعوقين ووزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات، ما عرقل كشف جرائم التحرش والاغتصاب التي تتعرّض لها النساء المعوّقات ذهنياً بشكل أساسي، والتبليغ عنها»، وفق رئيسة مصلحة شؤون المعوقين بالإنابة في وزارة الشؤون الاجتماعية هيام صقر، لتبقى حمايتهن من الاستغلال على عاتق الأهل ومؤسسات الرعاية، لولا أنّ «حاميها حراميها»، إما بالاعتداء مباشرةً أو بالتستر على الجريمة.
يتّخذ الأهالي، في أغلب الأحيان، موقفاً مؤذياً عبر «لفلفة» جرائم العنف الجنسي التي تطاول بناتهم تجنّباً «للفضيحة»، خصوصاً أنّ «80% من هذه الجرائم يرتكبها أحد أفراد العائلة الصغيرة أو الممتدة أو الأصحاب أو المعارف كالجيران، والناطور، وصاحب الدكان»، بحسب رئيسة «الجمعية اللبنانية للمناصرة الذاتية» المتخصّصة بالإعاقات الذهنية فاديا فرح. وتروي فرح «ردة فعل إحدى الأمهات عندما صارحناها بتعرّض ابنتها العشرينية لاغتصاب متكرر على يد خالها، إذ تهجّمت علينا ورفضت التصديق رغم أن ابنتها روت لها ما تعرّضت له، لتنتهي القصة بالتوقف عن إرسال الابنة إلى المركز». هكذا، يجري «وأد» الكثير من حوادث التحرّش والاغتصاب… ولهذا «لم يجد أي من حوادث الاستغلال الجنسي التي ترد إلينا، رغم كثرتها، طريقه إلى القضاء اللبناني»، وفق رئيس «جمعية أصدقاء المعوقين» موسى شرف الدين الذي يوضح آلية كشف هذه الحوادث من خلال «ملاحظة المربّين والمتخصصين والمعالجين سلوكيات غريبة مثل البطء في التعلم وعدم الإقدام والتردد والخوف من الآخرين وتعقبها».
وفيما يُعوَّل على مؤسسات الرعاية والتأهيل لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأشخاص المعوقين وتوعيتهم جنسياً، تُطرح علامات استفهام حول ما إذا كانت هذه المؤسسات تشكل بيئة آمنة فعلاً لهم، خصوصاً بعدما تكشفه فرح من «حوادث تحرش متكررة وقعت داخل إحدى مؤسسات الإعاقة نقلها عدد من الأهالي، ولم تحرّك وزارة الشؤون الاجتماعية ساكناً بعدما تقدّمنا ببلاغ لأنّ المؤسسة محمية من جهات سياسية ودينية». فيما تنفي صقر ورود مثل هذه الشكاوى، مشيرة إلى «ما سمعته هو حادثة تحرش داخل إحدى جمعيات الرعاية المتعاقدة مع وزارة الشؤون، من غير مؤسسات الإعاقة».
وإلى الاستغلال الجنسي، تبرز مخاوف من استغلالات من نوع آخر، مثل بيع أعضاء ذوي الإعاقات الذهنية «انطلاقاً من عقلية متخلّفة تجرّدهم من إنسانيتهم ومن أي قيمة، وترى أنه إذا أخذنا منهم كلية أو عيناً فلن يسبّب ذلك شيئاً»، وفق فرح. وتأتي هذه المخاوف جراء «العرض على اثنين من العائلات بيع كلية ابنيهما من ذوي الإعاقات الذهنية. وصحيح أنه في الحالتين رفض الأهل العرض، لكن من الممكن أن يكون آخرون قد قبلوه، ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة»، مشيرة إلى أن «العرض بحدّ ذاته مقلق جداً، ويطرح إشكالية وقوع جرائم بيع أعضاء في الخفاء».
من جهة أخرى، تفيد مصادر مطّلعة عن ارتفاع عدد البلاغات التي ترد إلى وزارة الشؤون الاجتماعية عن تزويج نساء ذوات إعاقات ذهنية متوسطة وشديدة، لا يعين أبداً علامَ يُقدِمن؟، وهو شكل من أشكال الاستغلال، غالباً ما يكون التدخل فيه معقّداً، إذ تتداخل فيه عدة معايير ثقافية واجتماعية وأخرى ترتبط بقانون الأحوال الشخصية وموقف المرجعيات الدينية من هذه الزيجات. وهذا «يكبّل» أي يد ترغب في المساعدة بما فيها وزارة الشؤون الاجتماعية. فقبل أيام، استنجدت موظفة في الوزارة برؤساء جمعيات الإعاقة للتدخل الفوري لوقف زواج فتاة ذات إعاقة ذهنية لا تعي إطلاقاً ماهية الزواج، غُرّر بها بفستان أبيض وحلوى وثياب جديدة… الموظفة «عاجزة عن المساعدة»، كما نقلت لهم. وتؤكد صقر هذا العجز بالحديث عن أن «لا صلاحية لوزارة الشؤون في وقف زواج فتاة لا يشكل خطراً على حياتها، غير أنه لا يوجد قانون يمنع الشخص ذا الإعاقة الذهنية من حقه في الزواج». أما في ما يخصّ زواج ذوات الإعاقة الذهنية الشديدة، «فيمكن اعتباره في حالات معينة استغلالاً، ما يتيح للوزارة أن تتحرك وتطلب تدخلاً قضائياً شرط أن تكون الضحية دون الـ 18 عاماً، أما فوق هذه السن، فلا توجد خطة طوارئ للتدخل ولا قدرة لنا على التحرك».
بحسب شرف الدين، «لكل حالة حيثياتها، فلا يمكن منع جميع الأشخاص المعوقين ذهنياً من الزواج، خصوصاً أنه ليس هناك شخص معوق غير واعٍ بل شخص بحاجة إلى داعم يرافقه ويقدّم له المساعدة. وفي الوقت نفسه يجب التأكد من موافقة الفتاة عبر مراقبة تقبّل فكرة الزواج والطرف الآخر على مدار فترة». وتنصح فرح «بضرورة توضيح الصورة الكاملة حول الزواج وغيره من المسائل المصيرية لذوي الإعاقة الذهنية ليتخذوا قراراتهم بأنفسهم».