| نقولا ناصيف |
عوض ان تقدّم المبادرات الثلاث المتوالية لتكتل الاعتدال الوطني والحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر فرصة ايجاد حد ادنى من قواسم مشتركة تُنبىء بفرصة ما لانتخاب رئيس للجمهورية، خذلها الامر الواقع وأعطبها.
كما كان، لا يزال الاستحقاق الرئاسي يدور من حول المشكلة نفسها: ترشّح رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية. يتمسك به الثنائي الشيعي ويرفضه معارضوه المسيحيون. الأولون يصرّون على انتخابه، والاخيرون يرفضون مبدأ ترشّحه حتى وينكرون عليه حقه فيه. كلا الموقفيْن يقودان الى استمرار الشغور وحتمية ان لا يُبْصَر يوم ينتخب فيه رئيس للدولة.ينظر الثنائي الشيعي الى ترشّح فرنجية على انه قدرٌ ونهائي لا مدة لانتهاء صلاحيته ان لم يشأ هو التخلي، بينما يؤكد الرجل يوماً بعد آخر اصراره على المضي فيه، فيما معارضوه المسيحيون يتعاملون مع ترشيحهم الوزير السابق جهاد ازعور على انه خيار موقت انتقالي بتحدّثهم عن مرشح ثالث يصير الى التوافق عليه.
الذريعة المعزوّة الى حزب الله في تمسّكه بفرنجية، انه لن يفعل الآن ما لم يفعله في استحقاق 2014 – 2016 عندما لم يطلب من الرئيس ميشال عون الانسحاب والتخلي عن ترشيحه طوال سنتين، قبل ان يصل به في السنة الثالثة الى انقلاب المعادلات المحلية رأساً على عقب بانضمام حزب القوات اللبنانية اليه في كانون الثاني 2016 ثم الرئيس سعد الحريري في تشرين الاول. طلب الحزب حينذاك من فرنجية الانسحاب لعون لا لسواه. كلاهما في الخيار الاستراتيجي نفسه، الا ان الافضلية حسمت الكفة.
ما يُسمَع من فرنجية اليوم يشبه ما كان عون يقول به آنذاك، وهو توقّعه في لحظة ما، رغم المدة الطويلة لترشحه، تبدّل المواقف منه كي يصير الى انتخابه. في حسبان رئيس تيار المردة ان الظروف الاقليمية ستقلص العداوات التي تحوط به وتحمله في نهاية المطاف الى قصر بعبدا. تبدأ بمآل حرب غزة وتنتهي بتبديد الانقسام من حوله. ما يلمح اليه ايضاً: الى متى سيظل المسيحيون بلا رئيس؟ يُصوِّب بذلك على بكركي اولاً وعلى الكتلتين المسيحيتين الكبريين في البرلمان حزب القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. ما يُنقل عنه ان الربط حتمي بين مآل حرب غزة وتحسّن العلاقات السعودية – السورية والسعودية – الايرانية وتواصل التفاوض الاميركي غير المباشر مع حزب الله، وبين انتخابه رئيساً. في الحجّة التي يسوقها، استمرار حرب غزة يضاعف تمسّك الثنائي الشيعي بترشحه كي تؤول اليه تسوية تفاهمات اقليمية تنتقل عدواها الى الداخل.
نهاية مطاف مبادرات الكتل النيابية الثلاث، تكتل الاعتدال الوطني والحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر، عجزها عن التقدّم بحلول مقدار استسلامها للمعادلة الحالية بين طرفيْ الانقسام. جالت المبادرات الثلاث تباعاً على الافرقاء جميعاً وسمعت المواقف نفسها وتجمّدت عندها، بالتزامن مع عدم وجود اي تحرّك خارجي ذي مغزى حيال لبنان يساهم في ايجاد حل للمأزق. بيد ان الحصيلة أفضت بدورها الى بضع ملاحظات:
1 – بينما حمل تكتل الاعتدال الوطني مذ طرحها للمرة الاولى خطة، تبدأ بالتشاور وتنتهي بانتخاب الرئيس حظيت بدعم سفراء دول الخماسية لانبثاقها من فريق في جلسات انتخاب الرئيس الاثنتي عشرة السابقة لم يقترع لمرشح محدد بل لشعارات وعناوين ولافتات، اكتفى الحزب التقدمي الاشتراكي بالاصغاء الى الافرقاء ومحاولته تلمّس المخارج منهم لا اقتراحها عليهم.
فرَّقَ بين المبادرتين ان التكتل تصرّف منذ اليوم الاول على انه محايد بين طرفيْ الانقسام لافتقار الشارع السنّي ربما الى مرجعية كالتي مثّلها في ما مضى الحريري تقوده الى خيار ما، في حين يبحث الحزب التقدمي الاشتراكي عن موطئ قدم له الآن في الوسط. في الجلسات الاحدى عشرة صوّت للنائب ميشال معوض في مواجهة الورقة البيضاء، ثم اقترع في الجلسة الثانية عشرة لأزعور على انه موقف سلبي معلن من ترشح فرنجية. على الاثر اتخذ رئيسه السابق وليد جنبلاط قراراً بالخروج من تقاطعه مع المعارضة المسيحية وبدأ يتحدّث عن رئيس تسوية. فُهِمَ من كلام جنبلاط عن التسوية ليس بالضرورة اقصاء فرنجية وطرد ترشحه على نحو رغبات حزبي القوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر، بل توصّل الافرقاء الى تفاهم على رئيس للجمهورية اياً يكن، بما في ذلك فرنجية.
هي الوسطية نفسها التي اعتاد جنبلاط ان يلوذ بها في الاوقات المتأخرة: المرة الاولى بعد خروجه عام 2009 من قوى 14 آذار ثم انضمامه الى جانب الرئيس ميشال سليمان وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 على ان الثلاثي وسطي بين قوى 8 و14 آذار، فيما الواقع انها حكومة غالبية تمثلها قوى 8 آذار. الوسطية الحالية لجنبلاط التي يرومها، ان ينأى بنفسه عن الخلاف مع كليْ حزب الله والاحزاب المسيحية في استحقاق، اول المعنيين به هم المسيحيون.
واقع امر تجربة الوسطية، نجاحها في الفصل بين متناحريْن لا مقدرتها على جرّهما الى اتفاق.
2 – ما يصح قوله ان تكتل الاعتدال الوطني والحزب التقدمي الاشتراكي في موقع وسطي الآن بين طرفيْ الانقسام، لا يصلح تطبيقه على التيار الوطني الحر بعدما اوحى المؤتمر الصحافي الاخير لرئيسه النائب جبران باسيل في حصيلة تقويم جولته بأنه في صدد الاصطفاف في الموقع نفسه. ما يُنقل عن نواب في تكتل الاعتدال الوطني عدم ممانعتهم ان لم يكن انتخابهم فرنجية، وقاله قبلاً جنبلاط بتحبيذه الذهاب الى الوسيلة والغاية اياهما، لا يصح لباسيل الباحث عن تسوية مختلفة ان لم تكن نقيضة لذيْنك الفريقين. لا يزال اقرب الى نفسه والى حزب القوات اللبنانية اكثر منه الى التكتل العكاري وحزب جنبلاط او الى الوسطية، برفضه سلفاً ترشح فرنجية وميله الى تسوية تستثنيه، يمكن عندئذ الاتفاق على اي اسم آخر. خلافاً لما يطلبه الثنائي الشيعي من الحوار وهو تكريسه انتخاب فرنجية، يرمي باسيل اذ يسلّم اخيراً بالتشاور – لكنه الحوار – وبترؤس رئيس البرلمان نبيه برّي له، الى الوصول الى اخراج فرنجية من الملعب فحسب.
3 – لا يزال حزب الله يؤكد مرة بعد اخرى ان العقبة الرئيسية في طريق انتخاب فرنجية هي السعودية، بينما يقلل من اهمية الفيتو الاميركي عليه، انطلاقاً من اعتقاد بأن ما يعني واشنطن من الاستحقاق اللبناني المشروع لا اسم الرئيس، الى معرفتها بالتأثير الواسع والمرجّح للحزب في خيار اسم الرئيس وانتخابه. المحسوم لدى الاميركيين ان محاصرتهم نظام الرئيس بشار الاسد مستمرة وكذلك قانون قيصر، كما العقوبات التي لا تزال تفرضها على لبنانيين على صلة بالحزب او لدوافع سياسية ليست بعيدة منه. مع ذلك تحمّلت الرئيس ميشال عون ست سنوات وهو اعتى حلفاء حزب الله، وظلت سفيرتهم في بيروت تزوره ولا تقطع التواصل به. تعاملوا معه بواقعية بلا اي ودٍ دونما تقبّل دعمه اياه او تغطيته، ولم يوقفوا مع ذلك مساعداتهم الى الجيش اللبناني. الاحرى في استنتاج حزب الله التعامل مع فرنجية الاقل عناداً والاسهل والاكثر مرونة.