| رندلى جبور |
أخرج “طوفان الأقصى” حركة “حماس” من إطار كان يضعها صورة معلقة بعباءة إسلامية متطرفة، إلى مقاومة أعادت النبض إلى الأمة، والدينامية إلى القضية الفلسطينية، وأحدثت التحوّل في الاستراتيجيا الدولية.
تلك الحركة التي أرادت الولايات المتحدة إلهاءها أو إسكاتها ذات يوم غزاوي، لتنصرف هي إلى زوايا أخرى من العالم تهمّها أكثر، تلك الحركة عادت وأغرقت الأطلسي في المتوسط، واستطاعت قطع الحبال الصوتية للممر الهندي، وقمع الطمع الاسرائيلي بغاز غزة، ونسج علاقات متجددة مع محور بأكمله يبدأ من إيران ولا ينتهي بالعراق وسوريا ولبنان مع كل التنوع الذي تحويه هذه البلدان.
وهذه الحركة التي ظنوا أنهم خدّروها ونيّموها، استيقظت بعد تجهيز، بخدعة استراتيجية، سقط فيها الكيان الصهيوني، وفرضت حساباتها حتى على الانتخابات الأميركية.
وهذه الحركة أزالت وصمة الإرهاب عنها، فارضةً على الجميع التفاوض معها، وهي تضع شروطها، ومن موقع القوة الذي جسّده الصمود والقدرة على الاستمرار مهما طالت الحرب.
وأول الشروط وقف إطلاق النار الدائم. وثانيها الانسحاب الكامل. وثالثها إعادة الأسرى بدقة، تمهيداً للمرحلة الرابعة التي تتضمّن إعادة الإعمار والإغاثة وعودة أهل القطاع إليه.
صحيح أن موعد “اليوم التالي” لم يحن بعد، في ظل الهستيريا الاسرائيلية الناجمة عن خسارة الكيان، والتي تؤدي إلى روتين استمرار الحرب، وإلى استعصاء واضح لن يخرقه إلا حدث كبير جديد تصنعه المقاومة الفلسطينية، أو تعميق للأزمة داخل الكيان الاسرائيلي، أو ضغط أميركي حقيقي عليه، أو عنصر مباغت يأتي من إحدى جبهات الإسناد، إلا أن حركة المقاومة الإسلامية جاهزة لما بعد هذه المحطة العسكرية، وهي تخطط بحكمة للمرحلة الآتية، لئلا تخسر في السلم ما حققته في الميدان.
وهي لذلك لم تقع في الخبث المصري الذي قدّم ورقتين مختلفتين للإسرائيليين ولـ”الحمساويين”، ولم تقع في الغش الأميركي الذي لَغَم ورقة جو بايدن بما يطمئن “إسرائيل” وحدها، ولم تساوم على دماء الشهداء مهما كان النزف.
وقوة من فجّر الطوفان تكمن أولاً في الإنسان الطامح إلى التحرر بكل الوسائل، وثانياً في الأنفاق التي ضيّعت الاسرائيلي العاجز عن فكفكة ألغازها، وثالثاً في معرفتها بما في “إسرائيل” التي باتت مكشوفة، ورابعاً في القدرات العسكرية التي طوّرتها حتى بات “الياسين” يرعب “الميركافا”، وخامساً في العلاقات التي أعادت إحياءها بذكاء مع دول الطوق، وسادساً بماكينة إعلامية عصرية استطاعت كسب معركة الرأي العام العالمي.
وعليه، فإن الحركة الصغيرة التي استطاعت أن تفاجئ العدو في اليوم الأول، تجهّز نفسها لمفاجأته في اليوم التالي للحرب، والغد القريب سيشهد أن الخسارات البشرية والصمود الأسطوري، ستُقَرَّش انتصارات ولو بعد حين.
وهذه الانتصارات تبدأ من تبديل صورة “حماس” التي باتت ناطقة لا بلغة مذهب بل بلغة الأمّة!