خطة بايدن بحاجة إلى “توقيع” روسي ـ إيراني؟

| جورج علم |

لم يُبدِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رأيّاً بخطة “صديقه اللدود” جو بايدن حول غزة. إلتزم الصمت، فيما مرّرت موسكو القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي من دون استخدام حق النقض “الفيتو”.

وفود حركة “حماس” و”الجهاد الإسلامي” لا تفارق العاصمة الروسيّة. نائب وزير الخارجيّة ميخائيل بوغدانوف متنبّه لتفاصيل ما يجري، ويمسك جيداً بصغير الملفات، وكبيرها، ومشارك ديناميكي في أيّ مؤتمر يعقد في الإقليم، ليضع لمساته على البيان الختامي.

خسر بوتين صديقاً صادقاً بغياب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لكن العلاقات لم تتأثر، بل زادت رسوخاً، لأن المصالح المشتركة تحتّم ذلك في ظلّ حربين مفتوحتين على استنزاف مرهق في كلّ من أوكرانيا والشرق الأوسط، وجبهات ساخنة على طول “خط الزلزال” الممتد من غزّة إلى البحر الأحمر، مروراً بلبنان وسوريا والعراق واليمن.

الروسي هنا، والإيراني أيضاً، ومن هنا تبدأ الحسابات المعقدة.

لا يمكن لبايدن أن يرسل أنظمة “باتريوت”، وصوارخ بعيدة المدى إلى كييف، لقصف روسيا، وينتظر من موسكو أن توفّر نجاحاً باهراً لمشروعه تجاه غزّة. لا يمكنه أن يفرض المزيد من العقوبات على أفراد ومؤسسات إيرانيّة، وينتظر من طهران “الزعفران الأصلي” لتطييب طبخته في المنطقة. كلّ حراكه الدبلوماسي يبقى غير ذي جدوى، إلاّ إذا دخل بتفاهمات عميقة مع القيادتين الروسيّة والإيرانيّة.

تعرف “حماس”، وتعترف، أن موسكو بقيت الملاذ الأخير، كعاصمة دولة كبرى، تتمتع بحق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن، بعدما أقدمت كلّ من واشنطن ولندن وبرلين، وعواصم دول أخرى في الإتحاد الأوروبي، على وصفها بـ”المنظمة الإرهابيّة”.

إعلاميّاً، إتهم الرئيس بوتين، وبعد أسبوع فقط، على نشوب الحرب في غزّة، وفي خطاب ألقاه أثناء قمّة زعماء دول الإتحاد السوفياتي السابق في عاصمة قيرغيزستان، إتهم إسرائيل “بإرتكابها ردود فعل وحشيّة”.

وفي 2 تشرين الثاني الماضي أعلن السفير الروسي لدى الأمم المتحدة أن “إسرائيل دولة إحتلال”.

وبعد ساعات من إنطلاق عمليّة “طوفان الأقصى” أعلن القيادي في حركة “حماس” علي بركة أن “التنظيم قام بتبليغ موسكو بعد وقت قصير من إنطلاقها”.

وأعلن القيادي في “الحركة” موسى ابو مرزوق، “أن روسيا هي الصديق الأقرب إلى حركة حماس”.

سياسيّاً، قام وفد رفيع من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بزيارة موسكو في 26 تشرين الأول، بعد أسابيع من إطلاق المقاومة الفلسطينيّة عمليّة “طوفان الأقصى”. وتكررت الزيارة في 19 كانون الثاني الماضي، وكانت محادثات مستفيضة.. ولا تزال الأبواب مشرّعة.

دبلوماسيّاً، روّجت موسكو في 16 تشرين الأول، مقترحاً في مجلس الأمن الدولي، يدعو إلى وقف لإطلاق النار. وقد سقط بفعل “الفيتو” الأميركي، كونه لم يتضمن “إدانة” لحركة “حماس”.

وفي 25 تشرين الأول، استخدمت حق النقض ضدّ مقترح أميركي يدعو إلى إدانة “حماس”، وتأييد “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس!”.

وخلال إتفاق الهدنة، وتبادل الأسرى، الذي إستمر أسبوعاً في نهاية تشرين الثاني الماضي، أعلنت “حماس” الإفراج عن ثلاثة محتجزين لديها، يحملون الجنسيّة الروسيّة، “إستجابة لجهود الرئيس بوتين، وتقديراً للموقف الروسي الداعم للقضيّة القلسطينيّة”.

عسكريّاً، زعمت وزارة الدفاع الأميركيّة بأن لديها شهادات تشير إلى وجود وسائل قتاليّة روسيّة في أيدي حركة “حماس”، ضمنها صواريخ مضادة للدروع، وصواريخ أرض ـ جو وغيرها، “تمّ على ما يبدو نقلها من إيران، في ظلّ تجاهل روسي للأمر”.

وأعلن القيادي في “حماس” علي بركة لقناة “روسيا اليوم”، أن روسيا “منحت حركة حماس وكالة إنتاج بنادق كلاشينكوف الآليّة، وذخائر مناسبة لها”. وتستخدم الأذرع العسكريّة لـ”حماس” خوادم حاسوبيّة روسيّة.

وتشير المخابرات الأوكرانيّة إلى مساعدات تقدمها مجموعة “فاغنر” في تدريب مقاتلي “حماس”.

إقتصاديّاً، تستند “حماس” إلى بورصة كريبنو الروسيّة من خلال تحويل عشرات ملايين الدولارات عبر محافظ رقميّة تسيطر عليها مع “الجهاد الإسلامي”، للإلتفاف على العقوبات الأميركيّة.

إيران ـ “حماس”

ووفقا لتقرير وزارة الخارجيّة الأميركيّة: إن زعيم “حماس” إسماعيل هنيّة، والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إتفقا عام 2012 على أن تقدّم إيران حوالي 100 مليون دولار، سنويّاً، لـ”الجماعات الفلسطينيّة المسلّحة، بما في ذلك حماس”.

ووفقاً للتقرير، فإنه اعتبارا من عام 2023، زادت إيران بشكل كبير تمويلها لـ”حماس” إلى 350 مليون دولار سنويّاً.

ويقول خالد مشعل إن “حركة حماس هي الابن الروحي للإمام الخميني”. وتعدّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة الداعم الرئيسي لـ”حماس ” بعد سيطرتها على قطاع غزّة منذ 2006، سواء بالتمويل، أو الأسلحة، أو التدريب.

وإستضافت إيران في العام 1990 مؤتمراً في طهران لدعم فلسطين، حضرته “حماس”، ولم يحضره ياسر عرفات.

وفي أوائل التسعينات، أجرى وفد “حماس” برئاسة موسى أبو مرزوق، محادثات في طهران مع كبار المسؤولين، يتقدمهم السيد علي خامنئي، والتزمت إيران يومها بتقديم دعم عسكري، ومالي لـ”الحركة” بملايين الدولارات.

ومع انهيار المساعدات الخارجيّة، وخلال زيارة رئيس وزراء “حماس” إسماعيل هنيّة إلى طهران في كانون الأول 2006، تعهّدت إيران بتقديم مساعدة بقيمة 250 مليون دولار.

وفي كانون الأول 2017، وصف نائب رئيس “الحركة” صالح العاروري، العلاقات مع إيران بأنها “ممتازة”. وأشاد بدعمها للمقاومة قائلاً: “إن ما تقدمه إيران للمقاومة ليس رمزيّاً أو سطحيّاً”.

صحيفة “وول ستريت جورنال” أكدت أنه في الأسابيع التي سبقت هجوم “طوفان الأقصى”، تلقّى حوالي 500 مقاتل من “حماس”، و”الجهاد الإسلامي”، تدريبات في إيران تحت إشراف “فيلق القدس” التابع “للحرس الثوري” الإيراني.

إنه تاريخ طويل من العلاقات الروسيّة ـ الإيرانية مع “حماس” و”الجهاد”، ويأتي الرئيس جو بايدن ليختصرها بخطة من عندياته…تحتاج حتماً إلى توقيع روسي ـ إيراني كي تبصر النور!