| رندلى جبور |
صار لفلسطين تقويم فرضته من خارج تقويمنا الزمني العادي.
فالقضية التي باتت بلا حدود مكانيّ أو زمانيّ، جعلتنا نسير على روزنامتها هي.
هي روزنامة فُرضت على العالم أجمع بدينامية متجددة أرساها “طوفان الاقصى”.
وأطاح هذا “الطوفان” بتقويم الاحتلال الاسرائيلي، وفَتَح الزمان على أمل التحرير.
وأطاح هذا “الطوفان” بتقويم الخضوع، راسماً انتفاضة غير متاحة دائماً.
وأطاح هذا “الطوفان” بتقويم التطبيع الذي بات بحكم المؤجّل.. والأجل غير مسمّى.
وأطاح هذا “الطوفان” بتقويم القوة الصهيونية التي لا تُقهر، فإذ بنا أمام سقوط مدوٍّ لهذه السردية.
وأطاح هذا الطوفان بتقويم الهيمنة الأميركية على العالم، وأُعدّت العدّة لاستقبال العالم الجديد بنظام مختلف.
صار للكوفية الفلسطينية حضور في الشوارع والجامعات الغربية، تماماً كما الـ”جينز”.
وصار للدولة المسلوبة اعتراف متدحرج ككرة الثلج حتى من دول أوروبية.
وصار للمسخّن الفلسطيني نكهة مختلفة، بعدما عشنا عقوداً في مطبخ الـ”فاست فود”.
في ذاك الـ”تشرين”، تغّير التقويم… كم تحمل التشرينات من تحوّلات!
التاريخ تُعاد كتابته، وفي سمائه لم تعد نجمة داوود وحدها. ينافسها اليوم أبطال علّقوا نجوم الشهادة على أكتافهم، وحُملوا على الاكتاف لصناعة شمسنا الجديدة.
والجغرافيا ثارت على تقسيم المنطقة على الهوى الغربي.
والسياسة لم تعد تُقرأ باللغة ذاتها، والاستراتيجيا حوّلت مسارها.
كان الشرق بعيداً عن المشرق، فإذ به أقرب من أي وقت مضى.
وما كان يستدعي الخجل العربي بات مدعاة للفخر، لأن هناك مَن أزال وصمة عار الصمت، وخَرَق جدار الصوت من أنفاقه.
صحيح أن الألم كبير والتضحيات كثيرة، ولكن إذا ما فكّرنا بتاريخية اللحظة، سنكتشف أننا محظوظون لأننا عاصرنا ولادة تقويم جديد ينطلق من فلسطين.
وبعد ضجيج هذا التغيير الكبير، يمكننا أن نذهب إلى استراحة، مبتسمين لانتصار لا يشبه سكتة الموت التي كنا فيها!