/ محمد حمية /
في “غفلة” بيان مُعدّ في دوائر القصر الحكومي بالتكافل والتضامن مع “قصر بسترس” (مقر وزارة الخارجية)، خرقت الحكومة بيانها الوزاري وأثارت انقساماً سياسيا هائلاً كان لبنان بغنى عنه في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف به من كل حدب وصوب.
مصادر مطلعة كشفت لموقع “الجريدة” أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب تعرضا لضغوط كبيرة من السفارة الأميركية وسفارات أكثر من دولة أوربية في بيروت، لاتخاذ موقف ضد روسيا تحت طائلة التهديد بحجب المساعدات المالية عن لبنان وفرض عقوبات. مشيرة الى أن ميقاتي وبو حبيب قررا إصدار البيان بسرعة وسرية تامة وعدم التشاور مع المكونات الحكومية الأخرى ومن دون عرضه على مجلس الوزراء لاتخاذ الموقف المناسب والجامع، لتجنب سجالات وخلافات تمنع صدور البيان، ما يُثير غضب الأميركيين والأوروبيين. وحتى تم إخفاء البيان عن عين التينة التي أعربت عن استغرابها من هذا البيان الذي تم من “وراء ظهرها” ولم تكن شريكة فيه.
وبحسب المصادر فإن المبررات التي قدمها ميقاتي وبو حبيب للمعترضين على صيغة البيان، هي أن لبنان يرتبط بمصالح سياسية واقتصادية مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، ولذلك وجب اتخاذ موقف في هذا الاطار حرصاً على الدعم الغربي للبنان لجهة مساعدات صندوق النقد الدولي ومؤتمر “سيدر”.
ولم يكتفِ الأوروبيون ببيان الخارجية، بل طلب السفيران الألماني والفرنسي، خلال زيارتهما بو حبيب، مشاركة لبنان في “تبنّي القرار المقدّم أمام مجلس الأمن ضدّ روسيا والتصويت عليه في الجمعية العامة لاحقاً”. الأمر الذي سيُفجر الوضع السياسي في لبنان في حال اتخذ لبنان مثل هكذا قرار.
أما الأخطر في أدبيات وسطور بيان “الخارجية الشهير”، فيكمن في تشبيه الحرب الروسية – الأوكرانية بالحرب والاحتلالات “الإسرائيلية” للبنان!.. مقارنة رأت فيها مراجع ديبلوماسية لـ”الجريدة” انعكاسًا لقصر نظر بعض مسؤولي الدولة في المفاهيم الدولية ومبادئ الحروب والمعايير التي تفصل بين الحرب التي تتأتى عن الدفاع عن النفس وحماية الأمن القوي للدولة في وجه المؤامرة والتهديد الخارجي، وبين حروب الاحتلالات والاطماع الاستعمارية كالتي شنتها الولايات المتحدة الأميركية على العراق وأفغانستان أو الحرب السعودية على اليمن وحرب تدمير وتقسيم سورية.
وفيما حاول وزير الخارجية اللبناني تدارك سقطته الأولى، عاد و”زحط” مرة أخرى، بموقفه خلال استقباله السفير الروسي في لبنان، وهذا ما أثار استياء الدولة الروسية وانعكس ببيانها الذي استهجن موقف الحكومة اللبنانية ودعا الى تصحيحه.
أوساط سياسية مطلعة أشارت إلى “امتعاض واستياء روسي كبير من الموقف اللبناني”، كاشفة لـ”الجريدة” أن رئاسة الجمهورية تعمل على احتواء الموقف والتنصل من بيان الخارجية، ولهذه الغاية أوفد رئيس الجمهورية ميشال عون مستشاره للشؤون الروسية أمل أبو زيد الى موسكو لتوضيح الموقف اللبناني”. لكن الأوساط القريبة من السفارة الروسية في لبنان تشدد لـ”الجريدة” أن “زيارة أبو زيد وشرح الموقف اللبناني كلامياً لن يكون كافيًا لترطيب الأجواء وسحب فتيل التوتر في العلاقات الثنائية، وبالتالي لن تقبل موسكو بأقل من موقف واضح من الحكومة تتراجع فيه عن موقفها الأخير”. وتساءلت الأوساط: كيف ينفرد وزير الخارجية بإصدار هذا البيان الذي يندرج ضمن اختصاص مجلس الوزراء وفق ما ينص الدستور؟ فضلا عن عدم اطلاع رئيس الجمهورية عليه، وفق مصادر بعبدا!
وكشف مصدر مطلع على موقف حزب الله لـ”الجريدة” أن “حزب الله ممتعض الى حد كبير من بيان الخارجية، ما سيدفع الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله لإعلان موقف واضح في أول اطلالة له، سيصوب عبرها على موقف الحكومة وبيان الخارجية، وسيدعو الى الإسراع في تصحيح الخطأ الفادح عبر موقف آخر”.
ولفت المصدر الى أن التوجه كان لإثارة وزراء الحزب القضية في الجلسة الحكومية أمس وإعلان موقف تصعيدي في وجه ميقاتي ووزير الخارجية، لكن الحزب تريث للحؤول دون حصول سجالات قد تؤدي الى تفجير مجلس الوزراء.
وتساءل المصدر: “من له مصلحة بخلق هذه الازمة الديبلوماسية مع روسيا وضمّ لبنان الى الحلف الأميركي – الأوروبي في هذا التوقيت بالذات؟ فهل دفعت الولايات المتحدة وأوروبا لبنان للتورط بموقف ضد روسيا لتوتير العلاقة بينهما لقطع الطريق على العروض الروسية للكهرباء وإنتاج الطاقة وانشاء مشاريع البنى التحتية؟ ويأتي ذلك في اطار الحصار الأميركي – الغربي على لبنان وعدم السماح لأي دولة بمساعدة لبنان، لا سيما من روسيا كإحدى الدول التي لم تخضع لقرار الحصار والعقوبات على لبنان وسورية؟