/ جورج علم /
تفتقر الإنتخابات الى العباءة العربيّة. العباءات الأخرى إكتملت مواصفاتها.
السفيرتان الأميركيّة والفرنسية تتنافسان على ترتيب الأولويات، وتجهيز الغرفة الحاضنة للوليد المنتظر.
الإتحاد الأوروبي منهمك بالتفاصيل، يريد ولادة طبيعيّة من دون منغّصات، وترتيب إحاطة شاملة فيها الكثير من التعاطف والأمل بغد مشرق.
ممثلو الأمم المتحدة مندفعون نحو رفع رايات الحريّة، والديمقراطيّة، والنزاهة، والشفافيّة على الطرق المؤديّة الى الإستحقاق الكبير.
وحدها العباءة العربيّة في غياب. ليس من زيّ على المسرح، ولا من مطرّزات، ومذهّبات في صالة العرض. وفدت الورقة الكويتيّة قبل أسابيع، ورحّب بها المسؤولون ضمن الإمكانات المتواضعة، وغاب المديح، والكلام الصريح.
المشكلة أن “بيت” بيروت أصبح بمنازل كثيرة:
بعضها يستقبل مؤتمرات وجمعيات خارج الإنتظام العام.
بعضها الآخر يجاهر بعدم توافر القدرات لتحقيق الأمنيات.
أما الثالث فهو منهمك بسدّ الفراغ الذي سببه الإنسحاب الكبير من الإستحقاق، في زمن يتعاظم فيه القلق حول المستقبل والمصير.
أثار وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان تساؤلات جديّة حول مصير الورقة، والجواب اللبناني. أطل من شرفة “مؤتمر الأمن” في ميونخ ليطالب “النخب السياسيّة اللبنانية بإشارة أقوى”. يطالبهم “التحرك نحو معالجة قضايا الفساد، وسوء الإدارة، والتدخل الإقليمي، وفقدان سيادة الدولة”.
التدخل الإقليمي ليس حكراً على لبنان، هناك دول عربيّة أكبر مساحة، وأعظم قدرة، وإمكانات، لم تتمكن من وضع السيف في غمده.
ثم هناك مبادرة منسّقة خليجيّا، وعربيّا، ودوليّا، تعذّر فهمها. تعاطى معها اللبنانيون كأنها حبل نجاة لإنتشالهم من الغرق، فيما يعتبرها البعض “مضبطة سلوك” لا قدرة على تطبيقها نظرا لواقع الحال، وتمادي الإنحلال.
المبادرة هذه، حضرت في اللقاء الذي جمع الرئيس نجيب ميقاتي، مع وزير الخارجيّة المصري سامح شكري في ميونخ. جاء يستفسر عن أحوال لبنان، عن الإنتخابات، والإصلاحات، والمسيّرات، ومصير ومستقبل الإمدادات من الغاز المصري، و”التيار” الأردني… مصر أم الدنيا، حاضنة العرب، ومقر جامعتهم، إلتزمت الصمت، والصمت حكمة في زمن التعثر والتهور.
قبل المبادرة، لا بدّ من سؤال عن حال العرب؟ هل من تضامن، وتعاون، وتنسيق، وتوافق، وإجتماعات، وقمم ملوكيّة، ورئاسيّة، ورأي صائب، وكلمة مسموعة في الأندية، والمحافل الدوليّة ؟
إذا كان الليل العربي يغطّ في ظلمة دامسة، كيف يُسأل عن ليل الأمل، والوجه الصبوح؟!
كلّ فراغ تتحكم به غشاوة ملتبسة، وكل غشاوة تبددها قدرات مقتدر على التدبير، والتقرير، والتغيير.. ومن يملك الزمام اليوم، ويمسك بالحسام، هو التدخل ببعديه الإقليمي والدولي، حيث المنازلة شديدة الوقع، من دون صفّارة إنذار، وحًكًم عادل.
القول بأن المجتمع الدولي يريد إنتخابات، هو قول شمولي، الأصح، أن فريقاً يجاهر بحماسته للإنتخابات، من الأمم المتحدة، الى الولايات المتحدة الأميركيّة، الى دول صديقة وشقيقة.. مقابل فريق يتماهى موقفه بين الرفض المقنّع، واللامبالاة!
يريد المتحمّسون، إنتخابات.. لكن ايّ انتخابات يريدون؟ وما هي الغاية، والهدف، ورزمة المصالح ، وبقجة الإلتزامات؟! هل من سميع مجيب؟!..
حتى الآن، لم نصل كمواطنين، وكناخبين الى هذا المستوى من التدقيق في ملامح اليوم التالي، لأن الذي يملك القدرات والإمكانات هو المتدخّل المتحمّس، الذي يملك لغاية الآن أوراقا أربع، يقلّبها كيفما يشاء:
الأولى: المساعدات التي تأتي عن طريق السفارات. هناك علامات إستفهام كبيرة حول الأرقام والأحجام، والدول المانحة، والجهات المستفيدة. نكتفي بما يضخّه الإعلام عن مساعدات تأتي من هذه العاصمة، أو تلك، عن طريق سفاراتها المعتمدة، وهي موجّهة مباشرة للشعب اللبناني، دون المرور بالمؤسسات الرسميّة المخوّلة. هل لنا من يوضح الأرقام، ومن هي الجهات المستفيدة؟!… في المقابل هناك من يقول بأن الإستثمار بمعاناة الناس هو إستثمار جيد في موسم الإنتخابات، لتحفيز المقاطعين، أو المترددين على المشاركة، ورفع الحاصل الإنتخابي لهذا المرشح، على حساب ذاك!.
الثانية: إن “غرفة عمليات” كاملة التنظيم والتجهيز ترعاها، وتديرها سفارات، تشرف على التدقيق بأسماء المرشحين، ومؤهلاتهم، وتقوم بتزكية اسماء، واستبعاد أخرى، خصوصا في صفوف الشباب “التغييري”.
الثالثة: صياغة التحالفات الإنتخابيّة التي تخضع لحسابات محليّة، وأيضاً لحسابات خارجيّة ترد “كنصائح مدعّمة بضمانات”، وهذا ما سبب إرباكاً في تشكيل اللوائح، في العديد من الدوائر. وهناك حديث عن “تلغيم” في اللوائح، بفضل التدخلات، والضغوط.
الرابعة: الحملات الإعلاميّة الموجهة، والتي ستستعر حماوتها بعد إنقضاء مهلة الترشيح، وإكتمال طواقم اللوائح…
والمفارقة.. أن بعض الخارج متحمّس للإنتخابات أكثر من اللبنانيين.. لكن، أي إنتخابات؟!…