| زينب حمود |
تشير الأقساط المدرسية لعام 2024 – 2025 إلى أنّ «كارتيل» المدارس الخاصة يستعجل «التعافي»، مفترضاً أنّ جميع الأهالي خرجوا من الأزمة الاقتصادية وباتوا جاهزين للعودة إلى تسديد الرسوم نفسها التي كانوا يدفعونها قبل الأزمة وفقدان الرواتب قيمتها. فقد أعلنت المدارس التي «لا تبغي الربح» عن زيادات عشوائية على الأقساط تبدأ من 30% وتتجاوز الـ 100% في غالبيتها، قبل أن تحدد عدد الطلاب وتطلق موازنة السنة المقبلة، فيما تواصل مراكمة أرباح غير مشروعة من خلال «بدع» على غرار رسم التسجيل الذي «يجب أن يساوي 10% من قيمة قسط السنة الماضية بحسب قانون تنظيم الموازنات المدرسية الرقم 515، لكنه يتخطّى الـ 40% في مدارس عدة»، وفق رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل. ورغم أن هذا «الرعبون» يعدّ بمثابة دفعة أولى على الحساب ويُقتطع من القسط الأول، إلا أن هناك من يضعه في خانة منفردة في جدول الأقساط. أما «أمّ البدع» فتتمثل في رسم «فتح الملف» للطلاب الجدد، ويبدأ من 100 دولار ليصل إلى 3000 دولار في المدارس «التقّالة»، فضلاً عن أرباح الـ«أوتوكار» والكتب والقرطاسية والزيّ المدرسي والزيّ الرياضي.
واللافت اتّباع المدارس الأسلوب نفسه الذي يتبعه أصحاب مولدات الاشتراك وغيره من الكارتيلات، إذ تستغل حاجة الأهالي إلى مدارس قريبة من أماكن سكنهم لتوفير رسوم الـ«أوتوكار»، فتنسّق الموجودة منها ضمن منطقة واحدة في ما بينها قبل إعلان جدول الأقساط تجنباً للمنافسة، ليجد الأهالي أنفسهم أمام رسوم تعليمية مرتفعة ومتطابقة إلى حدّ بعيد، و«محشورين في الزاوية»، كما يقول صلاح، مشيراً إلى أن «مدرسة أمجاد انتظرت إدارة الليسيه ناسيونال في بشامون قبل أن تعلن جدول الأقساط، كما اتفقت المدارس ذات المستوى الجيّد في الشويفات على الرسوم نفسها».
وترفق المدارس إعلان الأقساط بأجواء ترهيبية، «فتحصر مهلة التسجيل في فترة قصيرة للضغط على الأهالي، رغم أن القانون واضح بأنه لا يحق للمدرسة التهديد بخسارة التلميذ مقعده ما لم يطلب الأهل سحب الإفادة»، كما تشير الطويل. وعلى سبيل المثال، تشترط مدرسة ILC تسديد 30% من القسط (حوالي 2000 دولار) في أول السنة الدراسية، وتحديداً في أواخر أيلول. ويتحدث الأهالي في ثانوية الحريري الثانية عن طلب الإدارة دفع القسم الأخير من القسط في كانون الأول، أي قبل إعداد الموازنة. فيما تعمل مدارس على تقديم «عروضات» كحسم جزء من القسط لمن يسدّده مرة واحدة. فيما النتيجة واحدة، «زيادات مخيفة على الأقساط»، كما تقرّ مديرة الثانوية الإنجيلية الفرنسية (الكوليج بروتستانت) لينا الخال. لكن، «بدنا نعتمد على حالنا»، بسبب توقف الدعم من الدولة الفرنسية وأصحاب المدرسة في التجمع البروتستانتي.
وتبرّر جميع المدارس الزيادات بتحسين رواتب الأساتذة والموظفين. لذلك، «الزيادة مفروغ منها»، وفق الأمين العام للمدارس الكاثوليكية يوسف نصر، مشيراً إلى أن هذه المدارس لم تحسم أقساطها بعد «بانتظار صدور قوانين تتعلق بالأساتذة، ولا سيما قانون التعويضات»، ولأن «الأساتذة الذين لن يقبلوا بعد برواتب 200 و300 و400 دولار، فيما جرى استيعاب التضخّم في النفقات التشغيلية التي لن تؤثر على الموازنة السنوية». وتوقع أن «تزيد الأقساط ثلاثة أضعاف الزيادة على راتب الأستاذ، أي أن زيادة 100 دولار للأستاذ سترفع القسط بـ 300 دولار، من دون أن ينطبق ذلك بالضرورة على كل المدارس الكاثوليكية بل بما يتناسب مع رواتب الأساتذة الحالية في كلّ منها».
لكن، «حجّة» تحسين رواتب الأساتذة لم تعد تنطلي على الأهالي. فـ«هذا العام، ورغم الأقساط العالية التي دفعناها، خسرت المدرسة أساتذة جيّدين وتراجعت التقديمات الممنوحة للكادر التعليمي وانتهكت الكثير من حقوقهم»، كما يقول والد أحد الطلاب في مدرسة ليسيه عبد القادر. كما «لم تتناسب الزيادة على الأقساط مع حجم الزيادة على رواتب الأساتذة هذا العام في مدرسة إيست وود في كفرشيما، فكيف يطلبون ثلاثة أضعاف القسط العام المقبل»، كما يشكو أحد الأهالي.
نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعم محفوض ذكّر كيف تذرّعت المدارس الخاصة بسلسلة الرتب والرواتب لترفع الأقساط سابقاً، من دون أن تلتزم جميعها بتطبيقها، «واليوم تعيد الكرّة حتى وصلت الأقساط في بعض المدارس إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، من دون أن تصل رواتب الأساتذة فيها إلى 30 أو 40% من مخصصاتهم قبل الأزمة». ولفت إلى «اتفاق مع أصحاب المدارس الخاصة على زيادة رواتب الأساتذة بين 60% و65% العام المقبل مما كانت عليه قبل الأزمة، لتعود إلى ما كانت عليه بحلول عام 2025 – 2026».
«صدمة الأقساط» ضربت جميع الأهالي، والخطوة التالية تختلف وفقاً لقدراتهم المادية وسلّم أولوياتهم. هناك من «يمشي مع الماشي»، ويطمع بجودة التعليم فلا «يتنازل» إلى مدرسة بمستوى أدنى وقسط أقلّ. وسواء رضي أو لم يرضَ عن الأقساط المفروضة، لا خيار أمامه غير مراكمة الأعباء المادية. وتستسلم فئة أخرى أمام التقشف، فتلجأ إلى مدرسة ذات مستوى أقل، أو إلى التعليم الرسمي «ليس رغبة فيه ولا ثقة به، بل لأننا لا نملك ترف الاختيار»، كما تقول ندى، أو إلى الشارع نتيجة التسرب المدرسي.