| لينا فخر الدين |
نحو سنة مرت على حادثة القرنة السوداء التي ذهب ضحيّتها مالك وهيثم طوق، وأجّجت الخلاف بين قضاءَي الضنيّة وبشريّ حول ملكيّة القرنة السوداء، فيما لا تزال الدعاوى القضائيّة الموزّعة بين مجلس شورى الدّولة والمحاكم العقاريّة نائمة من دون أن يتمكّن القضاء من حسم هذا الخلاف، كما تأخّرت إحالة ملف مقتل الشابين من آل طوق إلى المحكمة العسكريّة التي أرجأت الملف أخيراً إلى أيلول المقبل، بعدما تبيّن عدم قيام القوى الأمنية بمهامها في التبليغ.
في غضون ذلك، لا تزال الخلافات “تعسّ” في القرنة، ويخشى المُتابعون أن تتفاقم، كما جرت العادة، عند بداية كلّ موسم صيف. لذلك، عزّز الجيش اللبناني قواته في المنطقة خلال الأسابيع الماضية وأقفل مخارج الضنيّة، فيما أبقى المخارج التي تؤدي إلى بشري مفتوحة، ما أدى إلى استياء بين أهالي الضنيّة الذين رأوا في هذه الإجراءات محاولة لمنعهم من الوصول إلى القرنة، قبل أن تنجح الاتصالات بين المعنيين في بقاعصفرين والجيش، قبل أيّام، بالسّماح لرعاة الضنية بالعودة إلى جبال القرنة. كذلك يشكو أهالي الضنيّة من أن تحقيقات مخابرات الجيش لم تحسم هويّة قاتلي هيثم طوق، خصوصاً لجهة بُعد مطلق النّار عن مكان سقوط الضحيّة، وأبقت على 4 أشخاص من الضنيّة موقوفين، فيما “الحقيقة”، بالنسبة إليهم، هي أن طوق قُتل عن طريق الخطأ من قبل “البشراويين”.
وما زاد الطين بلّة وزاد الهواجس، محاولة قتل رئيس بلدية بقاعصفرين المحامي بلال زود بإطلاق النّار عليه لدى خروجه من أحد المطاعم في منطقة الضم والفرز في طرابلس في آذار الماضي. في حينه، سعى الأمنيون والسياسيّون إلى تهدئة الوضع وعدم ربط الأمر بحادثة القرنة، قبل أن تُنهي شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، قبل يومين، تحقيقاتها الأولية بإشراف مفوّض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني حلمي الحجار.
كيف تكشّفت الحقيقة؟
وبحسب المعلومات، فإنّ عمليّة إطلاق النّار كانت معقّدة لجهة تعدّد الجهات بين محرّض ومتدخّل ومنفّذ ومخطّط، إضافة إلى عدم وجود رابط بين جميع هذه الأطراف. وأدّت التحقيقات ورفع البصمات وتحليل “داتا الاتصالات” وتفريغ الكاميرات المثبّتة حول مكان إطلاق النّار، إلى الوصول إلى المخطّط “ط. ع.” الذي “رسم” عمليّته من داخل سجن رومية لِكَوْنه موقوفاً في دعاوى مشابهة، بعدما تلقّى أموالاً من خارج السجن وطلب من ثلاثة أشخاص من آل ي. وج. وع. مراقبة تحرّكات زود قبل إبلاغهم بالساعة الصفر لإطلاق النّار عليه بنيّة القتل.
أثناء تجميع العناصر الأمنيّين لهذه المعلومات، كانت أصابع الاتهام بعيدة عن بشري، خصوصاً أنّ “ط. ع.” من طرابلس، فيما الثلاثة الذين كُلفوا بالمراقبة من قضاء بعلبك، قبل أن تتكشّف المفاجأة من خلال اعترافات السجين بأنّه خطّط لهذه المهمّة بعد اتصالات تلقّاها من شقيق مالك طوق وأحد أقربائه، اللذين ألحّا عليه أن يكون منفّذو الجريمة من خارج المنطقة حتى لا يتم ربطهم بها، والتأكيد أنّها عمليّة قتل بقصد الثأر من أهالي بقاعصفرين، علماً أنّ تحقيقات الجيش أثبتت أن مالك طوق سقط برصاص الجيش!
وبحسب المعلومات، فإنّ شقيق طوق الذي أثبتت التحقيقات و”داتا” الاتصالات أنّه المحرّض فيما كان قريبه متدخّلاً فيها، تواريا عن الأنظار وصدر بحقهما بلاغا بحث وتحرّ، فيما تمكّنت “المعلومات” من توقيف المنفذين الثلاثة. وسلّمت الشعبة محاضر التحقيقات إلى القاضي الحجار الذي يعكف على دراسة الملف، تمهيداً للادّعاء على الموقوفين الأربعة والمتوارين عن الأنظار ويحيلهم على قاضي التحقيق العسكري.
وتعليقاً على ختم التحقيقات، قال زود إن كلاً من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ومفتي طرابلس والشمال الشيخ محمّد إمام ونقابة المحامين في الشمال (كوْنَها اتخذت صفة الادّعاء في القضيّة) وفاعليات الضنيّة والنائب وليد البعريني، في أجواء التحقيقات على أن يُصدروا موقفهم بعد الادّعاء على المشتبه بهم، لافتاً إلى أنّ هذه القضية فضحت كلّ الجرائم التي كانت تحدث سابقاً في القرنة السوداء بحق رعيان الضنيّة، و”بعدما كنا نظن أن حزب القوات اللبنانية يُحرّض على ذلك تبيّن لنا أن مجموعات محسوبة على النائب ويليام طوق هي من تفعل ذلك”.
في المقابل، شدّد النائب طوق على أن لا علم له بتفاصيل التحقيقات التي ما زالت سريّة ولا حتّى بهويّة المحرّضين وما إذا كانوا من بشري أو محسوبين عليه، مؤكداً أن “لا خلاف مع زود إلا بشأن ملكيّة القرنة السوداء، ونستنكر التعرّض له، ونطالب بأن يأخذ القضاء مجراه ومُلاحقة المتورطين أياً تكن هويتهم أو انتماءاتهم السياسيّة”. واستغرب طوق تسييس الملف، وقال: “أنا والقوات، رغم خلافنا في السياسة، إلا أننا واحد في ما خصّ ملكية القرنة السوداء”.