| رندلى جبور |
من كثرة ما مرّ ويمرّ علينا، تبدّل مفهوم الخوف عندنا.
أنا شخصياً، لم يَعُد يخيفني ذاك الموت الجماعي، فربما هو الأضحية لولادة جديدة. لكن ثمة هواجس تستيقظ على وقائع جديدة تجعل ما يخيفني أكثر هو من يقف مع القاتل.
لم تعد تخيفني مشاهد الدمار، فربما هي مقدمة لبناء جديد. ولكن ما يخيفني أكثر هو من يستهزئ بهذه المشاهد بما تحمله من وجع إنساني.
لم تعد تخيفني الحروب، بل ما يخيفني هو من يهلّل للسلاح القاتل ومن يشيطن السلاح المقاتل والمقاوم.
لم تعد تخيفني الأمراض والحوادث التي تبدو طبيعية في ظاهرها. ولكن ما يخيفني هو الذي يصنع الأمراض ويفتعل الحوادث
والكوارث علّه يخفف من أعداد البشرية التي ما عادت تكفيها الموارد.
لم تعد تخيفني الأصوات العالية والواضحة، حتى لو كانت خصمة أو عدوّة، بل ما يخيفني هو تلك الأصوات الخافتة بخوف وخبث، التي لا تتخذ موقفاً ظناً منها أنها بالصمت أو بالحياد تربح، فيما الحياد هو خسارة مدوّية على البطيء.
لم يعد يخيفني الرأي، مهما كان، لكن ما يخيفني هو من يبدّل رأيه ويدّعي أنه كان صاحب الرأي النقيض من الأساس.
لم تعد تخيفني المؤامرة بذاتها، بل من يخيفني هو الذي لم يفهم المؤامرة بعد.
لم يعد يخيفني العدو، بل من يخيفني هو الصديق الذي يمكن أن يطعنك يوماً في ظهرك وهو يبتسم.
ولم تعد تخيفني قلّة حماسة الجيل الجديد للنضال، وحمل قضية، والتطوع بمجانية، والانخراط في العمل الوطني والشأن العام، بل ما يخيفني هو عدم شعور هذا الجيل بمجرد الانتماء إلى وطن أو قضية.
لم تعد تخيفني المرارة، بل ما يخيفني هو من سبّب هذه المرارة.
ولم يعد يخيفني التنمّر، بل ما يخيفني هو أنه صار للمتنمرين السخفاء جمهور يصفّق لهم ويسهم معهم في تشويه الصورة وقلب الحقائق.
ما يخيفني اليوم هو تحويل الجلاد إلى ضحية، والضحية إلى إرهابي، وهو اتهام البريء وتبرئة المجرم.
وما يخيفني هو الأذية بلا اعتراف بها، والغدر بلا اعتذار، والكذب بلا التفاتة واحدة إلى الحقيقة، والتفاهة التي طغت على الثقافة، وتفضيل السيء على الجيد، والسخافة التي تغزو مجتمعاتنا.
ما يخيفني هو الصمت عن الحق، والاجهار بخطأ الخيار.
ما يخيفني هو قدر الجغرافيا وتزوير التاريخ وانعدام الرؤية للغد.
أما ما يريحني، فهو عودة يقظة الوعي في بعض زوايا العقول والقلوب، وبعض ساحات هذا العالم.
وما يفرحني هو اليقين والإيمان بأن الحق هو المنتصر في النهاية، وأن الحقيقة هي صاحبة الكلمة الاخيرة!