جورج علم ¦
تلقف الإغتراب، بكثير من الخيبة، إنكفاء الرئيس سعد الحريري، وتيار “المستقبل”، عن المشاركة في الإنتخابات النيابيّة.
البلبلة تتوسّع رقعتها على امتداد بلاد الانتشار، وهناك حسابات جديدة بدأت تطفو على السطح، وتضفي على المشهد ضبابيّة تكثّف من غشاوتها الأخبار المتطايرة من الوطن الأم، والحبلى بالمؤشرات التي تؤكد أن الإستحاق الإنتخابي ليس بخير.
ما هي هذه الحسابات؟ والى ما تستند؟
عندما بدأت حملة تسجيل أسماء الراغبين في صفوف المغتربين، كان هناك إعلام متأهب، وشاشات مفتوحة، وحملات إستنهاض واسعة تقوم بها الأحزاب، والتيارات، ووفود تجوب القارات، وتحثّ المنتشرين على المشاركة في “صنع التغيير في لبنان” من خلال صندوقة الأقتراع.
اليوم تغيّر المزاج، وخفّت حرارة الحماس، وحلّ مكانها الترقب، والحذر.
كانت الحيويّة، وروح المسؤولية تدبّ في شرايين السفارات اللبنانية، والقنصليات العامة، تتصل طواقمها بأبناء الجاليّة، تشجّع، تسهّل الأعمال اللوجستيّة، وتتبارز في ما بينها حول النسب الأعلى من أعداد المسجلين…
اليوم تغيّر المشهد. لم تعد المقرّات مقرّات، ولا السفارات سفارات. لا رواتب. لا “فريش دولار”، لا نفقات إحتياط، بل قصاصات من قصر بسترس تطلب من السفراء، ورؤساء البعثات أن يتدبّروا أمورهم بأنفسهم، سواء عن طريق اللجوء الى الميسورين من أبناء الجالية، أو عن طريق اللجوء الى مقرّات أقل تواضعاً، وكلفة، على أن يصار إلى تغطية النفقات من تبرعات المنتشرين، أو من مصادر أخرى تعرف كيف تستثمر بالمعاناة لتوسّع شبكات مصالحها.
هذه الضائقة تجول اليوم على فروع المنتشرين، وتزرع الكثير من علامات الإستفهام في الحديقة الإنتخابيّة، حول الإمدادات، وسبل التواصل، والعوائق الماديّة والمعنويّة التي تؤثر سلبا على الممارسة الديمقراطيّة.
ويبقى المال محطّ آمال الكثيرين، يقول قنصل عام، كان منخرطا بإندفاع: “بصراحة، إن كثيرين ممن أعرفهم، كانوا متحمسين لزيارة لبنان خلال الصيف الماضي، وأرجأوا لمطلع هذا الربيع كي يوفّروا ثمن بطاقات السفر، ويستفيدوا من المال الإنتخابي، والعروض التي كانت تقدمها الأحزاب والتيارات المتنافسة لتشجيع المحازبين على العودة للإدلاء بأصواتهم. هذه الديناميكيّة غير متوافرة لغاية الآن. هل سيتغيّر المشهد، ويطوف نهر المفاجآت؟ الأمور مرهونة بأوقاتها، لكن حتى الآن يمكن القول بأن الإنتظار سيد الموقف”!
أما الأدهى ـ في حديث القنصل العام ـ “أن همهمات واسعة تتردد أصداؤها في صفوف الجاليات، ويتداولها الوجهاء في مجالسهم، مصدرها رؤساء كتل، وأحزاب، وتيارات في الداخل، ومشاركة في الحكومة، ومفادها إمكانية المساهمة في تمويل تكاليف العمليّة الإنتخابية، وتعويل مسؤولين رسميين، ورؤساء لوائح على الدعم المالي والمعنوي للإغتراب لإنجاز الإستحقاق في مواعيده الدستوريّة”.
لقد حسم مجلس الوزراء هذا الجدل، عندما وافق في جلسته الأخيرة، على تخصيص مبلغ 15 مليون و500 ألف دولار لتغطية النفقات. إلاّ ان القنصل العام يقول بأنه لا يغطي ثمن القرطاسيّة، والأعمال اللوجستيّة، والنفقات الضرورية التي تحتاجها البعثات والقنصليات في دول الإنتشار، لتأمين إنتخابات نزيهة للمسجّلين على لوائح الشطب. إلاّ إذا كان ثمّة قرار ما يقضي بأن يموّل المغتربون نفقات إنتخاباتهم في الخارج…!
وتبقى “الجائحة” التي تهدّ من عزيمة الإنتشار، هي تلك المتسلّلة من بيروت، والمتحوّرة الى مركّبات أكثر فتكاً في الهمم، بينها:
- استنكاف الرئيس الحريري، وتيار “المستقبل” عن المشاركة، وقد كان لهذا الحدث وقعه المؤثر ـ ولا يزال ـ في صفوف المنتشرين، وتتفاعل أصداؤه المحبطة في بيئاتهم السياسيّة ـ الإجتماعية.
- الأرباك الذي يسود التحالفات الإنتخابيّة في الداخل، وينشر مظلّة واسعة من الإحباط، في عالم الإنتشار، بإستثناء أقليّات مستنفرة حزبيّاً لا تزال متأهّبة.
- أما “الفيروس” الأخطر، هو الذي يضرب “الأمل بالتغيير”.
إن الصوت الإغترابي ـ باكثريته ـ صوت تغييري. هكذا بدأت الحملة الإنتخابيّة في صفوفه منذ إنتفاضة 17 تشرين. هكذا إنطلقت منذ ذلك التاربخ من العام 2019. وهكذا توسّعت رقعة الزيت بعد إنفجار مرفأ بيروت.
اليوم يبدو الأمل ضعيفاً في صفوفهم، تزنّره علامات إستفهام: أين التغيير؟ من هم أبطاله؟ وما هو مشروعهم؟. وأين تكمن القيمة المضافة…؟!
إنه الصوت الصارخ.. لكن أين الصدى… ومتى؟