/ محمد حمية /
بعد جولة جديدة من “حرق الأعصاب”، أكد الرئيس سعد الحريري اليوم الموقف الذي أعلنه الشهر الماضي، بتعليق أعماله السياسية والانتخابية طيلة السنوات الأربع المقبلة، قاطعًا بذلك كل الآمال بتبديل أو تعديل على موقفه، أو لجهة إبدائه ليونة إزاء ترشح أعضاء كتلته النيابية ومسؤولي تياره السياسي.
أوصد الحريري الباب الانتخابي والسياسي على نفسه وأوصده على المستقبليين الذين يرغبون بخوض الانتخابات النيابية، واشترط على كل من يود الترشح تقديم استقالته ومغادرة تيار المستقبل. فهل سيلتزمون؟
أوساط مطلعة في تيار المستقبل توضح لموقع “الجريدة” أن قرار الحريري ملزم لنواب كتلة المستقبل المستقبليين ولجميع الحزبيين، وبالتالي يمكن للنواب غير الحزبيين الترشح، وللحزبيين أيضًا بشرط تقديم استقالتهم. وأكدت أن الحريري كان حاسمًا لجهة رفضه أي ترشح باسم الحريري أو التيار، ورجحت الأوساط أن يلتزم معظم نواب ومسؤولي التيار بالقرار.
فإذا كانت أسباب “الحُرم السياسي” الذي رمته المملكة على الحريري بات معروفًا ومفهومًا، فما الذي دفع برئيس “التيار” لـ”تجريم” أعضاء كتلته النيابية والحزبيين تحت طائلة الطرد من التيار في حال قرروا الترشح؟
المتتبِّعون لحركة الحريري الخارجية وترجماتها الداخلية، يشددون على أن الأخير عمل خلال المدة الفاصلة بين مؤتمره الصحافي الشهر الماضي، الذي أعلن قراره الشهير بالعزوف عن العمل الانتخابي والسياسي، وبين ذكرى 14 شباط، لمحاولة التوسط مع السعودية للتراجع عن قرارها، أو تليين موقفها، لجهة السماح لتيار المستقبل في الحد الأدنى الانخراط في العملية الانتخابية من دون رئيسه، حتى لا “ينقرض” التيار من الندوة البرلمانية، وبالتالي من الخريطة السياسية – الطائفية والوطنية. ولذلك أوفد الحريري مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان الى موسكو الذي التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، لكي يوسط روسيا مع السعوديين، إلا أن القرار السعودي لم يتزحّزح قيد أنملة.
بعكس القائلين بإن الخلفيات السعودية تُعشّعِش في توجهات الحريري الجديدة، يرفض مصدر قيادي مستقبلي الحديث عن علاقة الحريري مع السعودية، لكنه لا ينفي دور السعودية بالقرار الشهير. ويشير لموقع “الجريدة” الى أن الاتصالات مقطوعة بين “الشيخ” و”الأمير” والقيادة السعودية.
لكن ثمة من يوقِن بوجود دوافع دولية – إقليمية خلف قرار “الاعتزال المؤقت” للحريرية السياسية برمتها، باستثناء بهاء الحريري الذي يُغرد خارج سرب العائلة والدار، سيما وأن الأسباب التي أوردها وعللها بيت الوسط غير مقنعة حتى لأقرب المقربين، فكيف لجمهور التيار والحلفاء؟ خصوصًا أن تاريخ لبنان لم يشهد خروجًا لحزب سياسي بهذا “السيناريو” المؤلم والحزين، أو تعففًا عن “شهوة” السلطة، ونهم الحكم، والسطوة والحظوة السياسية والمالية. فكيف لتيار شريك أساسي في اتفاق الطائف وبمعادلة النظام السياسي القائم أن يفعل ذلك؟
المصدر المستقبلي المذكور يرى بأن بواطن قرار الحريري “تكمن في أن الاستمرار في الحكم، في ظل الفشل الذريع على كافة المستويات، بات عبئًا على الحريري وتياره والوطن، لذلك قررنا الخروج بشرف، وندعو الآخرين لكي يحذو حذونا”.
وعلى الرغم من ذلك، لا ينكر المصدر الانعكاس السلبي لانكفاء المستقبليين من “جنة السلطة”، أكان على مستوى الوضع الداخلي للتيار الأزرق، أو على مستوى دوره السياسي وعلاقاته مع الأطراف السياسية.
لكنه يرى بأن كلفة البقاء، أكبر من كلفة الانسحاب الى صفوف المعارضة للطبقة السياسية برمتها، وتركها تتحمل مسؤولية البلاد والعباد “فنحن كنا نظريًا في السلطة ومشاركون في الحكم، لكن في الواقع كنا نواجه سلطة الأمر الواقع، وخيارات وقرارات مفروضة على البلد من أطراف داخلية وقوى إقليمية”.
لا تخفي أوساط مطلعة على المزاج السني لموقع “الجريدة”، عتب الجمهور الأزرق والطائفة السنية على “زعيمها” الأول، الى حد الخُذلان، إذ تركهم يبحثون عن مصيرهم ويلاقون حتفهم السياسي، وكأنهم يسألون في سرهم: “هل دفعنا ثمن ولائنا وانتمائنا للحريرية؟ فمن يعلم التحولات بعد أربع سنوات وأين نكون؟ هل نستقيل من التيار ونواجه منفردين؟ أم ننحني للعاصفة كما نصحنا الحريري؟ ومن يضمن بقاءنا على قيد الحياة السياسية إلى ذلك الحين؟! وما هو مصير الطائفة السنية بعد اعتزالنا؟ هل نحن أمام زلزال جديد مشابه بالتداعيات لزلزال 14 شباط 2005؟”.
وترى الأوساط بأن القاعدة المستقبلية ستذوب من تلقاء نفسها، أو ستُذوّب عنوة من الخارج، وتوزع على قوى وأطراف أخرى لن يطول الوقت لتظهر على الساحة.
وينقل المصدر المستقبلي تحذير الحريري المستقبليين، بأن الآتي أعظم على البلد، على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، ونصحهم بالانحناء للعاصفة كي لا تجرفهم حتى ينقشع آخر النفق الطويل.
فهل يجري التحضير لمخطط خارجي جديد، يتطلب خروج “الحريرية” من المشهد الداخلي؟