| هيام القصيفي |
انتظار وقف النار في غزة لا يعني التسليم بخريطة مستقبلها. إذ إن هناك ربطاً غربياً لوضع لبنان بما سينتج من مفاوضات مستقبل غزة كي يتحدد مصير الرئاسة والجنوب والنازحين.
لا ينحصر الكلام الغربي عن اليوم التالي لغزة بوقف النار وما يحيط به من إجراءات عسكرية وأمنية. صلب النقاش الذي يفتح الباب أمام أسئلة مشروعة حول مصير المنطقة، يتعلق بـ«اليوم التالي» لجهة تحديد مستقبل غزة ومصيرها ومن يتسلّمها وأيّ سلطة تديرها، بما هو أبعد من وقف النار والعمليات العسكرية.
وهذا «اليوم التالي» لغزة، بحسب الكلام الأميركي والأوروبي لا يزال في يد إسرائيل التي تضع شروطاً على الدول العربية والغربية، علماً أن لكل طرف معني رأياً في تحديد مستقبل القطاع. فلدول الخليج رؤيتها، وكذلك مصر والأردن، ولتركيا أيضاً دور في النقاشات، كما هي الحال بالنسبة إلى الدور الحساس الإيراني الذي قد يدخل في مرحلة جمود حالياً، وللأميركيين كذلك.
وهؤلاء يتعاطون بأن إسرائيل تضغط لتكون لها الكلمة الفصل في تحديد مستقبل غزة، رغم أن هذه السياسة تثير التباسات وإشكالات في حكومة بنيامين نتنياهو، كما يتّضح من تهديدات وزير الدفاع يوآف غالانت له.
ووسط كثير من الاقتراحات حول أدوار يمكن أن تقوم بها دول عربية أو الأمم المتحدة، والأسئلة حول دور السلطة الفلسطينية، لن تتضح في وقت قريب صورة الترتيبات التي يمكن الركون إليها بموافقة الأطراف المعنيين. وما لم يُعرف مصير غزة ومستقبلها، لن تتوقف الحرب العسكرية فيها، ولن يسعى الأطراف الأساسيون الى وقفها، مهما صدرت بيانات من الدول المعنية. وهذا يجرّنا الى لبنان.
يقع لبنان من ضمن سلسلة ملفات المنطقة العالقة، والتي انفجرت على إيقاع حرب غزة، ولن يكتب تالياً أن تتبلور حلول لها ما دامت الحرب في غزة مشتعلة، ومصيرها معلّقاً على احتمالات تبدأ بمخطط إسرائيل ولا تنتهي مع الانتخابات الأميركية، وأضيف إليها أخيراً الحدث الإيراني بوفاة الرئيس إبراهيم رئيسي.
ثمة عوامل متشابكة تبدأ من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان، ترتبط بما يرسم للمنطقة، لأن خلاصات النقاشات الغربية تطرح أسئلة عن المصير الجغرافي للمنطقة، في ضوء ما يمكن أن تخلص إليه الصورة النهائية لحرب 7 تشرين الأول. فقد فتحت هذه الحرب كل المشكلات في المنطقة دفعة واحدة، ولا ينتظر أن تنتهي من دون ارتدادات عليها. وإذا كانت الترتيبات ستعيد إنتاج المشهد نفسه قبل 7 تشرين الأول، فهذا يعني تطبيع الوضع القائم حالياً من دون تبدّلات جوهرية أو حلول لأزمات الدول المحيطة. أما إذا اقتضى الأمر صورة جديدة لغزة، فالخشية ألّا تكون منفصلة عن متغيّرات جغرافية كبيرة في المنطقة.
ما يخص لبنان أن انتظار اليوم التالي لغزة لم يعد ينحصر في إجراءات الوضع الجنوبي المشتعل منذ ثمانية أشهر، بل أصبح متلازماً مع ثلاثة ملفات متشابكة: تطورات الجنوب ومصير الحرب الدائرة فيه، ورئاسة الجمهورية، ووضع النازحين السوريين.
والموضوع الأخير لم يفتح عن عبث في هذا التوقيت الدقيق الذي يفترض ألّا تضاف فيه على لبنان أعباء جديدة. لا بل هناك دفع خارجي في الضغط من خلاله، وربطه بما يحصل في المنطقة، وعليه إيجاد حلول لسوريا في ما يخصّ ملف النازحين ومستقبلها السياسي والجغرافي، وكذلك للبنان، من ضمن استراتيجية أوسع تتصل بمرحلة ما بعد غزة.
في المقابل، حاولت اللجنة الخماسية العمل على محاولة تمرير رئاسة الجمهورية في الوقت الدقيق كي تسحب الرئاسة من الملفات الثلاثة الشائكة الموضوعة على طاولة التفاوض. وبذلك يتحول الرئيس مفاوضاً، ويخفّ الضغط على الوضع اللبناني، بإبعاده عن التجاذبات الإقليمية.
لكن المحاولة أُجهضت سريعاً لاعتبارات داخلية وخارجية. في حين أن ملف الجنوب مرتبط أصلاً بحرب غزة العسكرية، ولم يعد أي فريق غربي، وخصوصاً الفرنسي، يتحدث بغير ذلك، بعد الاقتناع بأن حزب الله يمسك بورقة الجنوب. وتحولت أنظار الموفدين الغربيين الى ملف النازحين كونه الملف الذي تستطيع اوروبا ان تكون اكثر فاعلية فيه.
لذا بات الكلام يتركز حول صفقة متكاملة تشمل الوضع اللبناني برمته، وأعيد ربطه بملف المنطقة، بحيث توضع سلة حلول تطاول اكثر من دولة، اذا ما نضجت الترتيبات لغزة على مدى الاشهر المقبلة.
لكن اذا كان الربط المزدوج بغزة، وبما ينتظره الاسرائيليون من الولايات المتحدة المقبلة على انتخابات رئاسية وابتزاز الطرفين الديموقراطي والجمهوري حتى الاشهر الاخيرة الحاسمة، فإن ذلك يعرّض لبنان لان يصبح اكثر هشاشة، مع تفاقم عناصر الانهيار الداخلية، ولا سيما ان مرحلة الانتظار الاساسية أضيف اليها عامل دقيق، مع وفاة الرئيس الايراني التي سترخي بظلها على حرب غزة ولبنان وكل الترتيبات التي كان التفاوض سائراً فيها، اضافة الى دخول الغرب في مرحلة الرئاسة الأميركية وانشغالات اوروبا بانتخاباتها وأوكرانيا، في وقت تسعى فيه اسرائيل الى الإفادة اكثر من الوقت الضائع للتمسك بما تريده لمستقبل غزة.