| محمد وهبة |
في 25 نيسان الماضي، أرسل وزير المال يوسف الخليل كتاباً إلى «الإدارات العامة» يحدّد توجّهات الحكومة لمشروع موازنة 2025. الكتاب فيه الكثير من الكلمات المفتاحية التي تدلّ على أن الموازنة المقبلة ستكون أسوأ من السابقة، فهي موازنة تقشّفية بامتياز رغم كل ما أثاره الوزير من كلام حول الخطط المطلوبة من الإدارات ودراسات الجدوى وسواها.
فما هو واضح أن هناك الكثير من الحدود الضيّقة التي سيُفرض العمل فيها على الإدارات بعيداً من أي نقاش بشأن أي اقتصاد نريد. «لا بد من وضع استراتيجيات لكلّ القطاعات تكون واقعية وعلى المدى المتوسط والطويل لتضمن عملية دعم النمو وتحريك العجلة الاقتصادية والتركيز على القطاعات المنتجة وتحفيزها وتأمين الاستقرار المالي والاقتصادي والحماية الاجتماعية».
هذا ما ورد في مقدّمة الكتاب الموزّع على الإدارات العامة كتوجيهات لإعداد موازنة 2025. لكنّ اللافت أن كل هذه «الاستراتيجيات» مبنية على كلمة واحدة: «التقشّف».
فقد أسهب الكتاب في الحديث عن ترجمة الخطط إلى أرقام ومواد وتقديرات في الموازنة، وعن دور الإدارات والمؤسسات في التخطيط والشراكة والتعاون والدراسات المعمّقة والتجانس… فضلاً عن الحديث عن «الإنفاق المجدي» و«تصويب التمويل نحو القطاعات المنتجة لمعالجة تشوّه الاقتصاد اللبناني وهشاشة بنيته والتحوّل من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج»… كل هذا الكلام ينتهي عند العبارة الآتية: لذلك يقتضي مراجعة الإنفاق على مستوى كل نبذة واتخاذ إجراءات تقشفية داخلية قبل كل شيء».
قيود مقابل التسوّل
إذاً، التوجه بات واضحاً ولا ضرورة لتفسيره، لذا «كل الأطراف مدعوّة إلى إعداد مشروع موازنتها بحسب الأصول» وأن تأخذ في الاعتبار 28 نقطة من أبرزها:
– ألا يتخطى إجمالي الاعتمادات ما خُصّص في موازنة 2024 إلا في ما يتعلق بالنفقات المرتبطة بالدولار ارتباطاً مباشراً كالالتزامات مع الخارج والنفقات التي يتحتّم دفعها بالدولار مع بيان التبريرات ذات الصلة.
– ضبط الإنفاق التشغيلي بحيث لا يربط تحديد الاعتمادات المطلوبة بارتفاع الأسعار فقط، بل بتخفيض في الكمية وترشيد استهلاكها أو بمراجعة شروط الخدمة للتخفيف من عبئها، ما يسمح بالحصول على النتيجة المرجوّة بأقل كلفة ممكنة. فهناك تناسيب يمكن أن تحتمل التخفيض في حال القيام بإصلاحات لترشيد الإنفاق، على سبيل المثال لا الحصر، عملية استهلاك الكهرباء والمياه والاتصالات وكذلك السيارات.
– البحث عن مصادر تمويلية خارجية وعن هبات بالدرجة الأولى.
– التركيز على الإنفاق الاستثماري المجدي الذي يساهم في تحقيق أهداف الحكومة وأولوياتها… (الواقع أن لا أحد يعلم ما هي أولويات الحكومة ولا أهدافها، والمشكلة في هذا الكلام أن الفقرة التي تليها تشير مباشرة إلى ضرورة إعادة النظر في قوانين البرامج).
– مراجعة وضعية الاعتمادات المدوّرة في إطار ترشيد الإنفاق وخفضه.
– عدم المطالبة باعتمادات إضافية لتغطية نفقات لم يتم السير فيها مسبقاً أو حتى نفقات جاءت نتيجة قيام بعض الجهات منفردة باتخاذ إجراءات أدّت إلى حاجات تمويلية إضافية من دون الرجوع إلى وزارة المالية والمراجع المعنية أولاً.
– بهدف تقليص قيمة المساهمات والتخفيف من الأعباء المالية، على كل من يستفيد من مساهمة من الموازنة العامة إجراء إصلاحات جدية على جميع الصعد وتفعيل نظامه بشكل يضمن التوازن المالي أو يحدّ من العجز.
– بالنسبة إلى الإيرادات، على الإدارات المعنية تقدير المبالغ الممكن تحصيلها خلال العام المقبل، وكما تضمين مشروع موازنتها أي اقتراح جديد من شأنه أن يدرّ على الخزينة اللبنانية أموالاً إضافية كما سبق وذُكر فيزيد من الإيرادات ويعزز قدرة الخزينة التمويلية.
انضباط مالي
بالإضافة إلى هذه النقاط الواجب أخذها في الاعتبار، فقد أشار الكتاب إلى تعليمات محدّدة متعلقة بتحضير الموازنة مبنية على «أهم أهداف مشروع موازنة 2025: عدم إحداث أي عجز لضمانة الاستقرار المالي والنقدي». ولا يتوقّع وزير المال أن تكون إيرادات 2025 أكبر من إيرادات 2024. ويقتضي ضمن سقوف إنفاق موازنة 2024 «إيلاء أهمية في الحدّ من الإنفاق الاستهلاكي لفسح المجال في مشروع موازنة 2025 أمام الإنفاق الاستثماري».
لكن مشكلة هذا الكلام، أنه يتعارض مع وقائع أشير إليها في الكتاب نفسه عن أن النفقات التشغيلية تستحوذ على 90% من مجمل الإنفاق، ما يثير الاستغراب بخصوص هذا الطلب الغريب العجيب. ويزداد الأمر غرابة مع الإشارة إلى أن موازنة 2025 ستتضمّن «عودة واستئناف تسديد الاستحقاقات على القروض الخارجية والالتزامات على الدولة اللبنانية بالعملة الأجنبية». بمعنى أن النفقات الخارجية لها أولوية على الإنفاق التشغيلي والاستثماري معاً.
وفي هذا المجال، يطلب يوسف الخليل أن تُحصر الاعتمادات بالنطاق الضيّق والضروري جداً، والقيام بخطوات «إصلاحية داخلية» في كل إدارة ومؤسسة عامة لأجل خفض كلفة بعض نفقاتها أو زيادة مردوديتها. يضاف إلى ذلك «اعتماد سياسة الانضباط المالي وعدم تخطّي سقوف الموازنات أياً كانت الأسباب والعودة إلى اعتماد مبدأ لا إنفاق إضافياً تحت أي ظرف من الظروف ما لم يكن مقروناً بتمويل معروف المصدر».
إلى جانب التعليمات، هناك إرشادات، على رأسها «الرواتب والأجور وملحقاتها». فالوزير يقرّ بأن مخصّصات الرواتب والأجور ما زالت ملحقاتها متدنية ومعها الحد الأدنى للأجور في القطاع العام، بالإضافة إلى «أضرار جسيمة في بنيته ومداخيل رأسماله البشري وإنتاجيته»، إلا أنه يربط التوظيف لملء الشواغر المتزايدة في القطاع العام، بالتوصيف والتصنيف.