سنتان من الملاحقة الأميركية لزعيم تنظيم “داعش” أبو ابراهيم الهاشمي القرشي. طائرات من دون طيار، جواسيس، رقابة مشددة، استخبارات، تحليل، وتنصّت.
بهذه الطريقة، نجحت الولايات المتحدة الأميركية في استهداف “القرشي” الذي بقي بعيداً عن الأنظار منذ تعيينه زعيماً لـ”داعش” خلفاً لسلفه أبو بكر البغدادي الذي قتل في غارة أميركية قبل سنتين.
صحيفة “واشنطن بوست” كشفت خفايا سنتين من هذه الملاحقة، في تقرير أعده عدد من مراسليها، وبعض التفاصيل المتعلقة بكيفية تحديد مكان زعيم تنظيم الدولة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.
في رواية الصحيفة، أن ما ساعد المسؤولين العسكريين الأميركيين على تحديد مكان القرشي في شمال غرب سوريا، هو أنه لديه قدم واحدة، ولذلك تمكنوا من تمييزه بين قيادات “داعش”.
وكشفت “واشنطن بوست” أن طائرة أميركية من دون طيار، تحركت في الخريف الماضي، وسط بستان زيتون في شمال غرب سوريا، وكانت كاميراتها تدقّق في معلومات استخباراتية عن وجود رجل ملتح قيل إنه يعيش في الداخل، وتحاول التقاط صورة له.
وبالفعل، تمكّنت الطائرة من دون طيار، وعلى مدى أيام، من رصد وتصوير رجل يعرج في مشيته وهو على شرفة منزل وسط بستان الزيتون. كان وضع الرجل الذي فقد رجله مهما للجهات التي تراقبه، فالصور التي التقطتها الطائرة، تطابق تماماً أوصاف الرجل الذي كان الأميركيون يفتشون عنه: أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.
ضاعفت القوات الأميركية رقابته للمنزل ومحيطه، وراكمت الطائرة من دون طيار بعدساتها صوراً ومقاطع فيديو، وضعها محللو الاستخبارات الأميركية على طاولاتهم للتدقيق، إلى أن تأكدوا من هوية الرجل بعد عامين من الملاحقة، خصوصاً أن الجواسيس على الأرض ثبّتوا هذا الاستنتاج حول هوية الرجل الذي يسكن في الطبقة الثالثة من المبنى.
ونقلت “واشنطن بوست” عن مسؤول أمني سابق لم تذكر اسمه، أنه “كان هناك سيل من المواصلات والاتصالات بين الخلايا، وتم كل ذلك عبر سعاة وحملة رسائل”.
وأضاف: “المسؤولون قاموا بتحليلها وجمع ما يمكنهم من بيانات حتى يعرفوا حول ماذا يتحدثون”.
ووفق الصحيفة فإن الرواية التي جمعتها من مقابلات وتقارير رسمية، وبتعاون وكالات الاستخبارات الأميركية وحكومة أجنبية واحدة، يعتقد أنها الحكومة العراقية، يقدم رؤية ثاقبة عن البحث المنهجي والذي أدى للوصول إلى القرشي، إلى جانب أسابيع من الرقابة الحذرة له، وحدث في وقت حاول فيه تنظيم “داعش” إعادة بناء شبكته بعد ستة أعوام من النكسات والهزائم.
وتكشف وثائق “واشنطن بوست” أن “القرشي”، ومن أجل تجنب الذين يلاحقونه، تبنى بروتوكولا أمنياً دقيقاً، فبالإضافة إلى منع الهواتف النقالة واتصالات الإنترنت، اعتمد على السعاة والمراسيل ممن اعتبرهم التنظيم شخصيات موثوقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المسؤولين عن الأهداف في الاستخبارات الأميركية، راجعوا كماً من المواد الخام التي جمعت، وكرسوا مئات من ساعات العمل، بالإضافة إلى جهود الاستخبارات العسكرية والمحللين الذين استمروا بمراقبة البيت والحي.
ولفتت إلى أنه بحلول أيلول/سبتمبر الماضي، بدأت القوات الخاصة بالتدرب على مداهمة المنزل باستخدام منزل يحاكي محل إقامة القرشي ومحيطه، حيث كان المخططون على ثقة بأن المكان محاط بمتفجرات ومفخخات، كما تم التفكير بغارة جوية، لكن تم التخلي عنها سريعا.
وقال مسؤول عسكري أميركي: “كانت هناك عائلات غير مقاتلة، منها عائلة بأطفال تسكن الطابق الأرضي. وكانت غارة من خلال مروحية بوحدة كوماندو محفوفة بالمخاطر للفريق”.
وأضاف: “كان هدف المهمة هو إلقاء القبض على زعيم تنظيم الدولة، وجمع أكبر قدر من المعلومات، وتجنب قتل المدنيين”.
وبحلول الأول من شباط/فبراير، قرر المخططون أن الوقت سانح للعملية. وفي لقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن في المكتب البيضاوي، تم إطلاعه على التحضيرات النهائية. وفي 2 شباط/فبراير، وفي الساعة الخامسة مساء بتوقيت واشنطن، استُدعي بايدن إلى غرفة الأزمة في البيت الأبيض، لمراقبة العملية من خلال رابط بالفيديو مع البنتاغون.
وقال مسؤول واصفاً المزاج في الغرفة: “كان هادئاً ومتوتراً، ولم يكن هناك حديث كثير”.
وأشارت “واشنطن بوست” إلى أنه “مما زاد في الضغط، هو أن القوات الخاصة كانت تتحرك نحو منطقة معادية، وتحلق في مجال جوي يسيطر عليه الروس، حيث اتخذ قرار بعدم تحذير الروس مقدماً، والاعتماد على قنوات خفض التوتر”.
وفي الساعة الواحدة صباحا، 3 شباط/فبراير بالتوقيت المحلي، السادسة مساء بواشنطن كانت مروحيتان تحملان عدداً من القوات الخاصة، تحلق فوق منزل القرشي في أطمة.
وعندما كانت قوات “دلتا” تتحضر للنزول بالحبال، حلقت طائرات أباتشي في الجو لمراقبة الوضع. وأيقظ صوت المروحيات الناس في المنطقة، وخرجوا من منازلهم لمعرفة ما يجري.
وسُمع صوت بالعربية يقول “من يريد الحفاظ على حياته، عليه الخروج”. وقام الجنود الذين نزلوا بالحبال، بإخراج العائلة في الطابق الأول. ولم يكن القرشي ليسمح لنفسه أو عائلته بالنجاة، فالمكان كان مفخخاً، ولكن لا يعرف من بدأ التفجير أولاً، القرشي أم شخص آخر!