“الرشوة” الأوروبية للبنان لصدّ الهجرة.. قد تؤدي إلى العكس!

دويتشه فيله - ويكيبيديا

| كاثرين شير |

حزمة المساعدة التي يقدمها الاتحاد الأوروبي بقيمة مليار يورو إلى لبنان لدعم التعامل مع أعداد كبيرة من اللاجئين وبالذات من سوريا المجاورة، قد تكون سيئة الأثر بالنسبة للاجئين، وقد تزيد من الهجرة غير النظامية إلى أوروبا.

بعد وقت قصير من الإعلان عن صفقة بقيمة مليار يورو (1.08 مليار دولار) بين الاتحاد الأوروبي ولبنان، أصبح من الواضح بسرعة أن هذا الترتيب لم يحظ بشعبية، خاصة في البلد المضيف للاجئين السوريين بالذات.

السياسي المعروف جبران باسيل قال في مقابلة إن “الشعب اللبناني … ليس للبيع، ولا للإيجار”. وذهب سياسيون من ائتلاف معارض في بيان إلى حد القول “لقد استبدل المجلس العسكري الحاكم أمن واستقرار ومستقبل اللبنانيين بـ 30 قطعة من الفضة”.

لماذا أثارت الصفقة الغضب؟

تم الإعلان عن الصفقة يوم الخميس الماضي، خلال زيارة إلى بيروت من قبل رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس. وهي تتألف من حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو للبنان، تبدأ هذا العام وتستمر حتى عام 2027.

وتهدف معظم أموال المساعدة ـ حوالي 736 مليون يورو ـ إلى دعم لبنان من أجل التمكن من رعاية اللاجئين على أراضيه، ومعظمهم من السوريين. والمبلغ المتبقي هو لمساعدة لبنان على تحسين مراقبة الحدود ومنافذ الهجرة.

لبنان يمتلك واحده من أعلى نسب اللاجئين في العالم مقارنة بعدد السكان. يستضيف البلد، الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 5.2 مليون نسمة، حوالي 1.5 مليون سوري، معظمهم هربوا من سوريا المجاورة خلال الحرب الأهلية في بلادهم. وقد أدت الأزمات الاقتصادية والسياسية الأخيرة في لبنان إلى تفاقم هذا الوضع.

دعا السياسيون الشعبويون إلى طرد اللاجئين السوريين غير المسجلين. وأفادت جماعات حقوقية أن قوات الأمن اللبنانية تعيد المهاجرين السوريين قسراً عن طريق القبض عليهم في الشارع، ثم نقلهم إلى الحدود.

في سوريا، من المرجح أن تقوم القوات الموالية لبشار الأسد بسجن، أو تعذيب، أوحتى قتل العائدين، أو محاولة تجنيدهم في الجيش السوري.

ونتيجة لهذه التوترات المتزايدة وعمليات الترحيل، يحاول المزيد من السوريين مغادرة لبنان. وسجلت قبرص، أقرب أراضي أوروبية إلى لبنان، أعداداً قياسية من الوافدين، الذين يطلبون اللجوء. في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، سجلت قبرص وصول 2000 شخص جديد عبر البحر. في نفس الفترة من العام الماضي، كان هناك 78 وافداً فقط.

ومن المفترض أن تساعد حزمة المساعدات الأوروبية في علاج هذه المشكلة، لكن العديد من اللبنانيين يبدون تشككهم وصرحوا لـ DW، بأن من المرجح أن تجعل هذه المساعدات المفترضة الأمور أسوأ في لبنان.
رشوة أوروبية؟

داخل لبنان، تشير اتهامات إلى وجود ما أسماه البعض بـ “الرشوة الأوروبية”، إلى حقيقة مفادها أن بعض اللبنانيين يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي يدفع لإبقاء السوريين غير المرغوب فيهم خارج الاتحاد الأوروبي.
وتفاقم الجدل لدرجة أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي نفى علنًا، في مقابلة تلفزيونية، أن يكون البلد قد حصل على “رشوة”، وذلك بعد بضعة أيام من زيارة المسؤولين الأوروبيين.

في بعض الأحيان، يمكن للمرء أن يفهم لماذا قد يفكر اللبنانيون بهذه الطريقة، وفقًا لما قاله فيليب دام، مدير الاتحاد الأوروبي للمناصرة في منظمة هيومن “رايتس ووتش”، الموجود في بروكسل؛ “قد يكون هناك قليل من الحقيقة في ذلك عندما ننظر إلى نهج المعاملات الذي يتخذه الاتحاد الأوروبي للهجرة غير النظامية ويدفع بشكل أساسي لدول أخرى لإبعاد الناس” ، مشيراً إلى صفقات مماثلة أبرمت مع تركيا وتونس.

ولا تزال تفاصيل الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي ولبنان غير واضحة، وهو ما يسبب التوتر أيضاً، وفقا لما قاله دام لـDW . في حين أنه قد تكون هناك بعض الخطوات الإيجابية في الصفقة، مثل دعم الخدمات الأساسية في لبنان والتي صرحت عنها فون دير لاين، عندما تحدثت عن الصفقة، بحسب ما يرى دام. وأوضح أن فون دير لاين “أعلنت دعمها لقوات الأمن اللبنانية في مجال الهجرة وإدارة الحدود، الأمر الذي قد يكون إشكالياً لأن هؤلاء الأشخاص هم الذين يمارسون الترحيل القسري للسوريين”.

وأشار إلى أن المسؤولة الأوروبية “ذكرت أيضاً نهجاً منظماً للعودة الطوعية، وأشارت إلى دعم السوريين الذين يعيشون في سوريا بطريقة تفضل العودة على الحماية الحقيقية”، مضيفاً أن المنظمات الحقوقية، بما في ذلك منظمته، تشعر بالقلق من أن هذه قد تكون خطوة نحو الاعتراف بأجزاء من سوريا على أنها آمنة للعودة إليها.

بيد أن السياسية الأوروبية في هذا الجانب معروفة، بحسب دام “فالحرب في سوريا لم تنته بعد”، كما أكدت حكومات ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا في بيان مشترك في مارس/ آذار من العام الحالي 2024. وأوضح البيان “أن شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين إلى سوريا، بدعم من المجتمع الدولي، لم تتحقق بعد”.

صفقة “خطيرة”

لم يكن الأمر يتعلق أبدا بدعم اللاجئين السوريين، كما أشارت كيلي بيتيلو، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لـDW، وأوضحت أن “هذا يتعلق أولاً وقبل كل شيء بمنع الهجرة إلى قبرص وبقية أوروبا.”

وأضافت بيتيلو أن إعطاء المال للجيش اللبناني “يعني المزيد من انعدام الأمن للاجئين السوريين (..). إنهم يواجهون المزيد من الضغوط للمغادرة بأنفسهم أو الترحيل. سيؤدي ذلك إلى عكس ما تريد فون دير لاين تحقيقه على ما يبدو، مما يخلق المزيد من الضغط على السوريين للتحرك نحو أوروبا.

ويتفق ويليم ستايس، مسؤول سياسات الشرق الأوسط في منظمة “11.11.11” التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها، والتي تضم 60 منظمة غير حكومية وحقوقية، مع هذا الرأي.

وأشار ستايس إلى استطلاع حديث أجرته منظمته بين السوريين في لبنان، حيث أفادت الغالبية العظمى من المستجوبين بأنهم قلقون للغاية بشأن الترحيل وسط تدهور الوضع الأمني للسوريين في لبنان. ونتيجة لذلك، قال 88٪ إن ذلك كان له تأثير مباشر على قرارهم بمحاولة الوصول إلى أوروبا.

ضغط نحو المزيد من الهجرة نحو أوروبا

كان استنتاج ستايس لاذعاً: “الصفقة بين الاتحاد الأوروبي ولبنان” هي في الحقيقة نوع من التلاعب. وأوضح أنه “بدلا من اتخاذ إجراءات فعالة ضد عمليات الترحيل هذه، ستمنح فون دير لاين الجيش اللبناني المزيد من المال وتزيد من قدرته على انتهاك القانون الدولي”.

ويعتقد الخبير الأوروبي أنه لا توجد طريقة لجعل الحياة أفضل للاجئين السوريين أو حتى المواطنين اللبنانيين. وقال لـ DW “هذه الصفقة خطيرة وستؤدي إلى المزيد من الوفيات والمزيد من العنف والمزيد من الهجرة غير النظامية (…). إنه مؤشر على السياسات الأوروبية الإشكالية التي تحركها المخاوف الانتخابية فقط، بدلاً من الحقائق على الأرض”.

وقال ستايس: “تحرك الاتحاد الأوروبي هناك طال انتظاره”. وقال إن الخطة الرابحة ستكون وقف لبنان لعمليات الترحيل القسري، ومنح المزيد من السوريين تصاريح إقامة وعمل مؤقتة. وفي الوقت نفسه، قال إن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يسهل المزيد من الهجرة القانونية إلى أوروبا ويضع حزمة اقتصادية لمساعدة الشعب اللبناني.

وخلص بيتيلو إلى أنه “في الواقع، يدعو الخبراء إلى اتفاق بين الاتحاد الأوروبي ولبنان منذ فترة طويلة جداً، لكن لسوء الحظ، سارت الأمور في الاتجاه الخاطئ.”