/سارة طهماز /
تنامت الرغبة لدى الشباب اللبناني في الهجرة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبشكل خاص بعد الأزمة الإقتصادية التي عصفت بلبنان وغيّرت معالم الحياة لشعبه. وقد عمد العديد من الشبان والشابات إلى البحث عن عمل خارج لبنان، تحسيناً لظروف الحياة التي أصبحت صعبة في ظل انعدام الخدمات العامة، ونظرًا إلى تقلص أجورهم التي باتت تساوي ورقة أو إثنين بالدولار الأميركي.
حدد الشباب اللبناني وجهته، وقدّم أوراقة وحزم أمتعته، وغادر إلى بلاد الهجرة ليعيش فيها ما كان يعيشه في بلده من رفاهية، ولو بسيطة، وليساند عائلته في المصاريف، بعد فقدانهم القدرة الشرائية وإرتفاع فواتير الكهرباء والمياه والنقل والدواء والسلع الغذائية وغير ذلك مما يطول شرحه.
عدد المسافرين والمهاجرين اللبنانيين خلال الاعوام 2017-2021
ووفقًا لـ “الشركة الدولية للمعلومات”، وصل عدد المهاجرين والمسافرين في العام 2021 إلى 79,134 شخصاً مقارنة بـ 17,721 شخصاً في العام 2020 أي بارتفاع مقداره 61,413 شخصاً. وبالتالي يكون العام 2021 قد سجل العدد الأكبر من المهاجرين والمسافرين خلال الأعوام الخمس الماضية. وخلال هذه الأعوام 2017-2021 وصلت حصيلة المهاجرين والمسافرين إلى 215,653 شخصاً وفقاً لما هو مبين في الجدول التالي:
ويكشف الجدول أن سنة 2018 سجّلت ارتفاعاً كبيراً في عدد المسافرين والمهاجرين بالمقارنة مع سنة 2017، حيث بلغت الزيادة 14,266 شخصاً، وبزيادة بلغت نسبتها 75,63 %.
وفي سنة 2019 سجّلت ارتفاعاً كبيراً إضافياً في عدد المسافرين والمهاجرين بالمقارنة مع سنة 2018، حيث بلغت الزيادة 33,677 شخصاً، وبزيادة بلغت نسبتها 101,65 %.
سنة 2020، فرض وباء كورونا نفسه على حركة السفر في كل العالم، خصوصاً في ظل إقفال الدول حدودها ومطاراتها وموانئها، وتسبب ذلك بتراجع حاد في عدد المسافرين والمهاجرين بالمقارنة مع سنة 2019، حيث بلغ التراجع -49,085 شخصاً، وبتراجع بلغت نسبته -73,47 %.
أما في سنة 2021 فقد سجّل عدد المسافرين والمهاجرين قفزة كبيرة بالمقارنة مع الأعوام السابقة. وبالمقارنة مع سنة 2020، حيث بلغت الزيادة 61,413 شخصاً، وبزيادة بلغت نسبتها 346,55 %. وكذلك الأمر بالمقارنة مع العام 2017، حيث بلغت الزيادة 60,271 شخصاً، وبزيادة بلغت نسبتها 319,51 %. وبالمقارنة مع العام 2018، بلغ الزيادة 46,005 شخصاً، وبزيادة بلغت نسبتها 138,86 %. أما بالمقارنة مع العام 2019، فإن نسبة الزيادة بلغت 12,328 شخصاً، وبزيادة بلغت نسبتهت 18.45 %.
اللبناني الذي تعوّد على الهجرة بفعل العوامل الأمنية للبلاد، وبشكل خاص في الحروب، يتهيأ اليوم لموجة كبيرة جديدة من الهجرة ،وتعتبر الثالثة من نوعها. فالهجرة الكبرى الأولى شهدها لبنان في أواخر القرن التاسع عشر امتدادًا حتى فترة الحرب العالمية الأولى (1865 – 1916)، حيث يُقدر أن 330 ألف شخص هاجروا من جبل لبنان آنذاك.
والموجة الكبيرة الثانية جاءت خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975 -1990)، حيث يقدر الباحث، بول طبر، أعداد المهاجرين في تلك الفترة بحوالي 990 ألف شخص.
هجرة المتخصصين والمهنيين
ويرى “مرصد الأزمة” التابع للجامعة الأميركية في بيروت، أن الهجرات الجماعية تشهدها البلدان التي تعيش أزمات اقتصادية عميقة، إذ تُشكل الأزمات عوامل ضاغطة على السكان للرحيل بحثاً عن أمن وأمان وسبل العيش.
ويعرض “المرصد” ثلاثة مؤشرات مقلقة في لبنان، في ما يتعلق بدخوله موجة هجرة جماعية من المتوقع أن تمتد لسنوات:
أولًا: ارتفاع فرص الهجرة عند الشباب اللبناني، حيث أشار 77 في المئة منهم إلى تفكيرهم بالهجرة والسعي إليها، وهذه النسبة هي الأعلى بين كل البلدان العربية، بحسب تقرير “استطلاع رأي الشباب العربي” الصادر العام الماضي.
ويلفت إلى أن “السعي للهجرة عند الأكثرية الساحقة من الشباب اللبناني، نتيجة طبيعية لانحسار فرص العمل الكريم، حيث يُقدر البنك الدولي أن شخصاً من كل خمسة أشخاص فقد وظيفته منذ خريف 2019، وأن 61 % من الشركات في لبنان قلصت موظفيها الثابتين بمعدل 43 %.
ويمثل هذا المؤشر قلقاً خاصاً، لكون لبنان يخسر رأس مال بشري، سوف يكون بحاجة ماسة له عندما ينطلق بمسار التعافي في المرحلة المقبلة.
المؤشر الثاني الذي اعتمده “المرصد” يتمثل في “الهجرة الكثيفة للمتخصصين والمهنيين، خاصة من العاملين والعاملات في القطاع الصحي من أطباء وممرضين، وفي القطاع التعليمي من أساتذة جامعيين ومدرسين بحثًا عن ظروف عمل ودخل أفضل.
أما ثالث المؤشرات التي اعتمدها التقرير، فكان “توقع طول أمد الأزمة اللبنانية”، فالبنك الدولي يُقدر أن لبنان يحتاج، بأحسن الأحوال، إلى 12 عاماً ليعود إلى مستويات الناتج المحلي التي سجلت عام 2017، وبأسوأ الأحوال إلى 19 عاماً.
ويمكن اليوم رصد استعدادات اللبنانيين للرحيل من خلال الازدحام الحاصل عند مكاتب الأمن العام اللبناني، التي أظهرت إحصاءاته أن عدد جوازات السفر المصدرة من مطلع عام 2021 ولغاية نهاية اَب بلغ نحو 260 ألف جواز سفر، مقارنة بنحو 142 ألف جواز سفر في الفترة نفسها من عام 2020، أي بزيادة نسبتها 82 في المئة. وفئات هذه الجوازات المصدرة من الفئات الأطول زمنياً، أي فئة العشر سنوات والخمس سنوات، على حساب تراجع الفئات ذات المدى الزمني الأقل مثل فئة السنة الواحدة، أو فئة الثلاث سنوات.