| لينا فخر الدين |
قد تكون هذه المرّة الأولى التي لا يغرق فيها مسؤولو الماكينات الانتخابية في نقابة المهندسين في ما وراء الأرقام. فالتحالفات المُعلنة لم يُنكث بها من تحت الطاولة: لا «بلوكات ضائعة» ولا فروق شاسعة في نتائج اللائحة الواحدة التي راوحت ضمن هامش الـ500 صوت صعوداً وهبوطاً، وهذا ما يشير إليه، مثلاً، حصول مرشح التيار الوطني الحر النقيب فادي حنّا على 4634 صوتاً مُقابل 4297 صوتاً لمرشح حزب الله إلى الهيئة العامّة لعضوية مجلس النقابة حسن جواد. وهو فارق طبيعي باعتبار أنّ المرشّح إلى منصب النقيب عادةً ما ينال المرتبة الأولى لعمله على الأرض بشكلٍ أكبر ولعلاقاته المنسوجة بمعزل عن انتمائه الحزبي وتحالفاته.
الفارق الضئيل بين المرشحين على لائحة حنّا يشير إلى نجاح حزب الله في حياكة تحالفٍ لم يهزّه «النكد» السياسي بين التيّار وأمل والذي يؤدي عادة إلى تشطيب متبادل، رغم حملة الشائعات التي صيغت بعناية خلال اليوم الانتخابي لزرع الشقاق بين الحلفاء.
عملياً، لا إشارات فاقعة باستثناء الفارق بين مرشح «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» أحمد نجم الدين ومرشحي حزب الله وحركة أمل على المركز نفسه (الهيئة العامّة لعضوية مجلس النقابة) والذي رسم علامات استفهام بعدما حلّ نجم الدين في المرتبة الأولى.
في المقابل، ارتفع هذا الهامش قليلاً بين مرشحي اللائحة المدعومة من حزب القوات اللبنانية والكتائب وتيار المستقبل، فنال مرشحا القوات بيار جعارة وجاك غصن أصواتاً أعلى من تلك التي نالها مرشّح الكتائب وليد حداد بفارق وصل إلى أكثر من 500 صوت، فيما كان الفارق بين مرشحي القوات ومرشّح المستقبل أقل من 300 صوت.
تسعير الخطاب الطائفي
التعبئة المسيحية والتحريض على حزب الله واستغلال حادثة قتل المسؤول القواتي باسكال سليمان رفعت نسبة المقترعين المسيحيين إلى معدّلات غير متوقعة (أكثر من 50% من عدد المقترعين الذي بلغ نحو 9700)، وهو ما أسفر عن مؤشرات صادمة، من بينها لجوء بعض الناخبين المسيحيين، بمن فيهم أولئك المحسوبون على ائتلاف «المعارضة» ضد «أحزاب السلطة»، على تشكيل لوائح مسيحيّة «صافية» ضمّت مرشحين مسيحيين من كل اللوائح.
وهو ما يشير إلى أنّ تسعير الخطاب الطائفي والتجييش بمسميات لا تخدم المعركة النقابيّة، نجحا في استمالة جمهور عريض داخل تجمّع مهني يُعد من نخبة المجتمع. فيما خاضت الأحزاب المسيحيّة المعركة النقابيّة بقصد اختبار شعبيتها في الشارع المسيحي ومدى الهيمنة عليه، بدليل محاولات القوات الحشد مسيحياً من دون التركيز على جمهورها حصراً، بهدف تظهير «تكتل مسيحي» لتحجيم التيار.
ولذلك، سارع حزب القوات إلى بث دعاية مُضادة للتعتيم على خسارته، بادّعاء حصوله على 70% من الناخبين المسيحيين، وهو ما تنفيه الأرقام التي تؤكد أنّ نسب الأصوات المسيحية كانت متقاربة بين القوات وحلفائه من جهة والتيّار من جهة أُخرى، وهو بين 2000 و2500 صوت من بين نحو 5 آلاف مسيحي شاركوا في الاقتراع، ويؤكد مسؤولو ماكينات أيضاً أن عدداً لا يستهان به من غير مؤيدي القوات صوّتوا لجعارة لمنع وصول مرشحي الثنائي.
وتُضاف إلى هذه الحسابات كتلة مسيحية توزّعت على اللوائح المُعارضة الأُخرى. وأزمة تشتّت الصوت المسيحي بين المرشحين على منصب النقيب، ضربت القوات في الصميم، خصوصاً أن هؤلاء كانوا يغرفون من صحنها، لا من صحن خصمها.
الاشتراكي يوزّع
على المقلب الآخر، كان لافتاً توزيع الحزب التقدمي الاشتراكي أصواته، على قلّتها، بعدما أرخى حباله من دون استنفار. فالخيمة التي نصبها في زاوية بعيدة عن مدخل النقابة بقيت تضج بالمؤنسين إلى حين إقفالها قبل إقفال صناديق الاقتراع. وفيما يتحدث مسؤولوه عن قدرة تجييرية تقليدية تفوق 750 صوتاً، تمكّنت المختارة أن تُخفيها ولا تكشف عنها بعدما قرّرت سحب مرشحيها من المعركة وعودتها خطوة إلى الوراء بدعمها مرشحاً مستقلاً إلى منصب النقيب هو جورج غانم. وهذا ما سمح لها بأن تفاوض في مكان وتُهادن في آخر من دون تكبّد عناء استنهاض شارعها حتى الإيفاء بعهدها لغانم.
صحيح أن الاشتراكي لم يُعطِ القوات ما أرادته بدعم جعارة، إلا أنه أيضاً لم يُغضبها بدعم مرشح التيار، مكتفياً بدعمٍ جزئي لمرشحي الحزب والحركة، و«تهريب» بعض الأصوات لمرشح القوات إلى الهيئة العامة. فـ«الجنبلاطيون» قرّروا مسبقاً اتباع سياسة تسليف حصانٍ رابح إلى حين معركتهم التي تأجلت على مدى استحقاقين أعلن فيهما الاشتراكي عزوفه عن الترشح. ورغم أن المختارة أبقت الاتصالات مفتوحة مع لائحة التيار، إلا أن شروط النائب السابق وليد جنبلاط التي رفضها باسيل، وتأجيج القوات للشارع المسيحي إثر مقتل مسؤولها في جبيل، دفعاها إلى عدم ربط نفسها بتحالفٍ وثيق.
وعلى خطى الاشتراكي سارت الجماعة الإسلامية التي اعتادت التواصل مع القوات، لكنها وجدت نفسها خارج السباق بعدما طار مرشحها وحطّ مكانه مرشح الكتائب وليد حداد. في المقابل، لم ينجح حليفها حزب الله بضمّ مرشحها إلى لائحته بعد أن تمسّكت حركة أمل والتيار الوطني الحر بمرشح جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية أحمد نجم الدين. حينها فقط شعرت أن المكان يضيق بها، لذلك أعلنت انسحابها من الاصطفافين مبقيةً على دعم المرشح المستقل جورج غانم مع فقدانها للقوة التجييرية، إذ تشير بعض الماكينات الانتخابية إلى أن عدد مقترعي الجماعة لم يتعدّ العشرات.
المستقبل و«مصمّمون» خارج المُعادلة
وإذا كان الاشتراكي والجماعة أدركا في الساعات الأخيرة، وقبل فتح صناديق الاقتراع، خطورة اللعب على حافة الانشطار بين المحورين المتصارعين على الشارع المسيحي، فإن تيار المستقبل لم يستقِ من تجربتهما. وإنما قررت ماكينته «فرد» خيمته في باحة النقابة، دعماً للقوات. كان الزرق يمنّون أنفسهم بدعم معراب في نقابة الشمال من أجل ربحٍ يعوّضهم عن تداعيات ابتعادهم عن العمل السياسي، لكنّ الحسابات كانت خاطئة فكانت النتيجة «لا من هون ولا من هون».
وهذه هي الضربة الثانية التي يتلقاها المستقبل في نقابة المهندسين بعدما هُزم مرشحه على يد «النقابة تنتفض» قبل 3 سنوات، حتّى باتت صورة «المستقبليين» في عيون الماكينات الحزبية الأُخرى أشبه بـ«البالون»، بعدما بدا أنّ قوة الدفع الحريرية انتهت إلى غير رجعة، ومن دون أن تُفيد شيئاً المراجعة التي يقوم بها مسؤولون في المستقبل حالياً بعدما تلقوا عتباً شديداً من مقربين من الرئيس سعد الحريري.
الخسارة التي مُني بها المستقبل في نقابة المهندسين كان فيها الحريري الأب الآمر الناهي، تُشبه إلى حد بعيد فشل «مصممون» في استعادة «الزمن الجميل»، يوم هزم جاد ثابت الأحزاب، ويوم تمكّن عارف ياسين ورفاقه من حصد نحو 6 آلاف صوت من أصل 9 آلاف ناخب، فيما لم يتمكن مرشحها إلى منصب النقيب روي داغر من حصد أكثر من 400 صوت، خصوصاً أن الماكينات الانتخابية لم تلحظ قيام «مصممون» بتوزيع أصواتها، باعتبار أن نيتها من خوض المعركة كانت اختبار قوتها الشعبية بعد فشل ضرب مراكز القرار فيها على مدى 3 سنوات.