| هيام القصيفي |
مرة تلو أخرى، يجري الترويج لاحتمال تحريك الملف الرئاسي ربطاً بمواعيد ومسارات خارجية. لكنّ واقع الحال لا يبشّر بذلك، ولا يوحي بوجود أيّ توجّه في هذا الصدد في وقت قريب.
فيما يستمر إيقاع الحرب جنوباً، وتزداد كل المؤشرات السلبية التي تظلّل الوضع اللبناني الداخلي، ظهرت محاولات من جانب بعض القوى السياسية للترويج لعودة الحراك الرئاسي، وتحرّك اللجنة الخماسية بعد عطلة عيدَي الفصح والفطر، وكأن هناك تسريعاً لمسار رئاسي على قاعدة أن ثمة ملامح جدّية تبشّر بقرب الإفراج عن تسوية رئاسية. فيما الواقع أن لا أجواء عقلانية يمكن البناء عليها لتبرير إمكان تحريك الملف الرئاسي في وقت قريب:أولاً: لا تزال التهديدات الإسرائيلية تجاه لبنان على وتيرتها، ومع إضافة القصف الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية، كمنعطف أساسي، لا يمكن الكلام على تهدئة تعطي مجالاً لبدء أيّ مفاوضات رئاسية، ولا سيما أن هناك كلاماً غربياً يصف عملية القنصلية بأنها رسالة إسرائيلية لتخريب أي مفاوضات وترتيبات تحت الطاولة بين واشنطن وطهران، وأن إسرائيل لن تترك الساحة الإقليمية لأيّ تفاهمات أميركية إيرانية ولو بالحد الأدنى من دون المرور عبرها. وهذا من شأنه أن ينسحب على لبنان، إذ لا يزال يشكل بالنسبة إليها الساحة التي يمكن أن توجع فيها إيران كنفوذ استراتيجي وليس كنفوذ عسكري فحسب. فمع الصراع المكشوف مع إيران، بعد المواجهة مع حزب الله، باتت إسرائيل تتصرف وكأنّ أيّ ترتيب يتعلق بلبنان، ليس فقط من الناحية العسكرية الميدانية ونقاشات الوضع الجنوبي، يفترض بواشنطن أن تأخذ برأيها فيه. فضلاً عن أن إسرائيل تنتظر الرد على عملية القنصلية، وأن حرب غزة لا تزال مشتعلة بما لا يسمح لحزب الله وإيران بالانشغال بملف رئاسي يساهم في صرف جهودهما عن الحرب الدائرة.
ثانياً، الاستعجال في تفسير التحرك الفرنسي والأميركي في اتجاهين بأنه يمكن البناء عليه. ففي حين بات الدور الفرنسي متعثّراً، لا يمكن الاعتداد بأيّ تحرك أميركي قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولا سيما أن هناك ملاحظات أميركية داخلية على أداء الموفد الأميركي عاموس هوكشتين ومقاربته للملف الرئاسي. كما أن لا مصلحة للدول العربية صاحبة الكلمة في ما يجري لبنانياً، بإبرام تسويات رئاسية أو أيّ ترتيبات تتعلق بلبنان، مع إدارة أميركية قد تكون على أبواب مغادرة البيت الأبيض. وكما استنفدت هذه الدول الوقت منذ سنة ونصف سنة، لن تستعجل اليوم في تقديم «تنازلات» قد تطيح بها الإدارة الجديدة، كما أنها لا تجد نفسها في وارد القبول بأيّ تسوية من خارج موافقتها الشاملة، على عكس ما حصل مع تسوية عام 2016. وحتى الآن لم يتغير موقف هذه الدول ولن يتغير تبعاً لتطورات المنطقة وما تذهب إليه بعد حرب غزة، وزيادة النفوذ الإيراني فيها.
ثالثاً، أثبتت الأشهر الماضية والاتصالات الخارجية والمبادرات السياسية الأخيرة، أن كل القوى السياسية لا تزال على مواقفها من مرشحيها الرئاسيين، وأن كل المبادرات التي جرت حتى الآن لم تغيّر فاصلة في هذه المواقف. لكن ما أضيف الى ذلك، أن الوضع الداخلي الذي ينهار منذ سنوات قليلة، ويحتاج الى إعادة بناء المؤسسات فيه، بات أكثر تحللاً، ولم يعد في جهوزية يمكن التعويل عليها للاتفاق على ما يؤدي الى إجراء الانتخابات. فما رافق عملية خطف منسق القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان وقتله، وردود الفعل التي تتفاقم، أظهرت مجدداً هشاشة الوضع السياسي وحدّة الانقسامات السياسية بين طرفين، بما لا يمكن معه الرهان على أيّ التقاء على إجراء الانتخابات الرئاسية. عطفاً على أن حرب غزة ومشاركة حزب الله في حرب الإسناد سبق أن عززتا وجهة الانقسام بين القوى السياسية، الى حدّ لا يسمح بالاعتقاد بإمكان إجراء أيّ حوار أو حتى نقاش تمهيدي للانتخابات في هذه الأجواء المشحونة. ولا تكمن الخطورة في انعكاس مباشر للأحداث المتتالية على العلاقة بين المكونات السياسية والشعبية فحسب، وإنما في أن الطرفين يذهبان الى الرهان على متغيّرات تساهم في ترجيح كفة الميزان، بحيث لا تعود التسويات مطلوبة. ولا يبدو أن ذلك متاح في وقت قريب. ما يعني مزيداً من المراوغة الرئاسية والتفسخ الداخلي الذي ينذر مرة بعد أخرى بأن الأزمة باتت تحتاج الى أكثر من ترتيب ظرفي.