| مرسال الترس |
في علم الحيوان، تثبت الدراسات أن العقرب لا يتورع عن تدمير نفسه، عن طريق إيذاء جسده لينتحر، عندما يجد نفسه في خطر داهم لا يمكن الخلاص منه.
أما في علم الإنسان، فهذا الكائن الناطق والمميز على هذه الأرض عن باقي المخلوقات، فإنه يعمل عن جهل في كثير من المواقف على تدمير نفسه، عن طريق الانتحار جراء عدم استخدام العقل الذي وهبه له العلي القدير، نظراً للحسد والحقد اللذين يتملكانه.
وهذا الواقع الأليم ينطبق، بشكل لا لُبس فيه، على الموارنة في لبنان بشكل خاص، والمسيحيين بشكل عام، لأنهم لم يعرفوا أن يحافظوا على وطن رسمه لهم الفرنسيون كقوة استعمار، والذين تراجعوا عن دورهم لاحقاً لصالح الولايات المتحدة الأميركية التي تبنت الدولة اليهودية كربيبة لها في هذه المنطقة دون سواها من بقية الشعوب، فيما كان المسيحيون الذين “سكروا” بالسلطة يبدّدون ما ملكوه بالعبث الذي تملّك بهم، عبر معاداة الشعوب التي يمكن أن تكون حليفة لهم، وموالاة المجموعات التي لم تنظر إليهم إلاّ توابع يُفترض ان ينفذوا أوامرها وأن يدفعوا الأثمان عنها.
ولذلك، يلاحظ أن المسيحيين بشكل عام، والموارنة بشكل خاص، يدمرون أنفسهم وهم بكامل “قواهم الجسدية.. لا العقلية”.
معظمهم أعلن العداء للناصرية في خمسينيات القرن الماضي، وبعد فترة وجيزة من استقلالهم، لصالح الامبراطورية البريطانية التي تعلّمت بيع الشعوب والمجموعات كـ”خردة” من أجل استراتيجياتها ومصالحها، فغرقوا في الثورة حتى أذنيهم.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، أعلنوا العداء لسوريا، لصالح الدولة اليهودية التي فرّطت بهم عند أول كوع بأبخس الأثمان، فغرقوا في الحروب، تارة ضد الفلسطينيين، وطوراً ضد بعضهم البعض، حتى دمروا مختلف قواهم…
ها هم اليوم يقفون حيارى على قارعة طريق المصالح الدولية، يطلقون العداء لشركائهم في الوطن، ويعرضون أنفسهم لهذه الجهة أو تلك التي لن تتورع عن مبادلتهم في حفنة من “فضة يوضاس” الذي باع معلمه لكهنة اليهود ومن ثم أقدم على الانتحار شنقاً ونادماً ساعة لا ينفع الندم.
“التيار الوطني الحر” وحزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب”، يجاهرون بعدائهم لوصول رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى بعبدا، فيما كان هو الأصدق بينهم عندما قرّر، متصالحاً مع نفسه، العفو عند المقدرة عن من ناصبوا له العداء جهاراً، لصالح الوجود المسيحي في لبنان وهذا الشرق.
غداً، قد لا يصل فرنجية إلى سدة الرئاسة، ولكن ليدرك جداً كل من سمير جعجع والنائبين جبران باسيل وسامي الجميل، أن أياً منهم لن يحلف قسم اليمين للحفاظ على الجمهورية اللبنانية، لأن الجمهورية التي ستلي ستكون بالتأكيد مقتصرة على الشراكة المسيحية، فيما هم يتصارعون بينهم على كرسي مخلّع، وشعب يتمنى الموت ولا يجده إلاّ على شواطئ هذه القارة أو تلك، كما فعلوا في تسعينيات القرن الماضي.