| الكويت – جورج علم |
قالت الكويت كلمتها. إنتخبت “مجلس أمّة” جديد، بحيويّة تجلّت من خلال الإقبال الكثيف على صناديق الإقتراع.
ووفق التقييم السياسي، لم تكن انتخابات، بل استفتاء شعبيّاً حول العناوين الإصلاحيّة التي تضمّنها خطاب الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح إلى “مجلس الأمة”، في كانون الأول الماضي، بعد أدائه اليمين الدستوريّة. وزير الداخليّة الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، حدّد الوجهة والغرض، وصف نسبة الإقبال بـ”فوق الممتازة” ـ (أكثر من 62 بالمئة).
إعتبر “أن خطاب الأمير مشعل كان واضحاً وجليّاً بانتخاب من يصون قسمه، ويؤدي واجبه الوطني بالأمانة والصدق برّاً بالكويت وأهلها”.
أشار إلى أن خطاب الأمير “يكمن بالتصويت لمن يضع المصلحة الوطنيّة نصب عينيه، ومن يبتعد عن المنافع الشخصيّة، والنعرات الطائفيّة، والحالة الفئويّة”، وأكدّ أن “الكويتيّين لبّوا نداء التصويت في حضورهم، وكثافتهم”. مشيراً إلى أن “اختيار أمير البلاد لهذا التوقيت في شهر رمضان المبارك ما هو إلاّ حرص منه على كثافة الحضور”.
إنتهى “الاستفتاء”، أقفلت الصناديق. أعلنت النتائج. فاز من فاز. وبدأت مرحلة “وضع الفول في المكيول”. تتجه أنظار الكويتيّين إلى الحكومة الجديدة. من تضمّ؟ ما هي الوجوه الشابة التي سوف تتحمل المسؤوليات، وأيضاً التبعات؟ هل من تعاون بناء بين المجلس الجديد، والحكومة الجديدة، لتنفيذ السلّة الإصلاحيّة التي ركّز عليها أمير البلاد، أم عودة إلى المناكفات السياسيّة؟ المسار بخطوطه العريضة واضح. لا تغييّر، ولا تبديل في بنية النظام، لكن هناك رؤية أميريّة، وإرادة فولاذيّة على تفعيله، وترشيقه، ومدّه بالدعم للخروج من حلبة المناكفات، إلى تطبيق الإصلاحات، وتحقيق إنجازات…
وتبقى العين شاخصة نحو التغيير في بعض المناصب الوزاريّة، وعلى رأسها وزارة الماليّة. والمتداول في الوسط الإعلامي الكويتي بأنها ستسند إلى عقول شابة ومتجددة.
أما السؤال: لماذا الاهتمام بوزارة المالية، والشخصيّة التي يفترض أن تتولّى مهامها؟ يأتي الجواب من أصحاب الخبرة والإختصاص، معلّلاً بوقائع وإثباتات يختصرها عنوان جامع، “إنها العمود الفقري لأي إصلاح”. عليها أن تمكّن الكويت من مواكبة مسار التنوّع الإقتصادي في المنطقة. عليها أن تؤمن التغطيّة، والسقوف الماليّة، كي تتمكن الحكومة من معالجة العديد من الملفات الحيويّة، وعلى رأسها الإصلاحات.
لا يكفي أن تؤكد وكالات التصنيف العالميّة قوّة ومتانة الاقتصاد الكويتي، بل تشير بوضوح إلى “الحاجة لصياغة سياسات ماليّة محليّة متطوّرة، تنعكس بشكل إيجابي على مؤشّرات الاقتصاد الكلّي، وإقرار وتنفيذ خطوات إصلاحيّة في ملفات ماليّة واقتصاديّة مختلفة، بينها تحسين مستوى معيشة المواطنين، وتأمين السيولة اللازمة لتمويل المشاريع التنمويّة، والتقليل من اعتماد الميزانيّة على النفط تدريجيّاً، وتعزيز دور القطاع الخاص في النمو الإقتصادي.
ويطول الحديث عن مهام الحكومة العتيدة، وما ينتظرها من تحديات، لكن أفضليّة الكلام اليوم تبقى حكراً على الانتخابات، ونتائجها، وما هو متوقع من مجلس الأمة لوضع “الرزمة الإصلاحيّة” موضع التنفيذ.
لقد حافظت الانتخابات على ثوابت، منها: عودة وجوه معروفة تعتبر “قيمة مضافة” نظراً لخبرتها المتراكمة في مضمار التشريع. حقّقت الوجوه الشّابة تقدما على التقليديّين. حافظ التنوع المجتمعي على تمثيله. لكن التغيير المطلوب والمرتجى لا يقتصر على الوجوه، بل على الأداء. هناك أجندة تتضمن بنوداً خمسة، هي من التحديات:
الأول ـ التحرّر والخروج من “شرنقة” الزبائنيّة، والفئويّة، والطائفيّة، والمصلحيّة، إلى مساحة الوطن، والعمل المجدي البناء.
الثاني ـ وجوب التعاون ما بين السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة لتحقيق الإصلاحات. إتهمهما الأمير مشعل في خطاب القسم بأن “توافقهما في السابق سبب أضراراً بالغة بمصالح الكويت”. ما يريده الآن “أن يكون توافقهما لخير الكويت وشعبها”.
الثالث ـ برمجة الإصلاحات انطلاقا من “الأهم قبل المهم”، مع الحرص على تنفيذ “السلّة” كاملة، وفق خريطة طريق واضحة المعالم.
الرابع ـ اعتماد سياسة ماليّة جديدة، تحقق تنوعاً في الدخل. سيولة ماليّة لتنفيذ المشاريع. بحبوحة إقتصاديّة للمواطن.
الخامس ـ تحصين الكويت في مواجهة التحديات الخارجيّة، وتفعيل دورها ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربيّة.
يقال كويتيّاً إن “عهد الأمير مشعل بدأ مع إنجاز الإنتخابات التشريعيّة، وسيستمر بتصميم، وزخم، وحزم، لتنفيذ رؤيته حول مستقبل الكويت ومكانتها. المركب جاهز، والبحر سانح، فهل تسعفه الرياح؟”.