| نقولا ناصيف |
ينتظر سفراء الدول الخمس امرار عطلة الاعياد ليعاودوا جولات اجتماعاتهم بالافرقاء لدفع الاستحقاق نحو مزيد من الواقعية والنتائج الملموسة. لا تعكس التوقعات في الغالب الآمال، فكيف عندما يكثر الطباخون فيما الطنجرة فارغة؟
بين الموفديْن الخاصيْن الفرنسي جان ايف لودريان والاميركي آموس هوكشتاين عداوة كار اسمها لبنان. كلتا ادارتيْ بلديْهما تقاربان ملف انتخاب رئيس للجمهورية على نحو مشابه: موجود في الاليزيه لا في وزارة الخارجية عند الفرنسيين، وفي مجلس الامن القومي التابع لنائب الرئيس لا في وزارة الخارجية عند الاميركيين. القاسم المشترك الآخر بينهما حضهما على انتخاب الرئيس في اسرع وقت، كي يرعى في مرحلة ما بعد وقف النار في غزة ترتيبات الاستقرار في الجنوب.كلا الرجليْن ايضاً، لودريان وهوكشتاين، تمرّسا في السنوات الاخيرة في التجربة اللبنانية: الاول كوزير للخارجية اكبّ بداية على الاهتمام قبل انفجار مرفأ بيروت وبعده على الحض على اجراء اصلاحات بنيوية في النظامين الاقتصادي والنقدي اللبناني، والثاني بصفة مستشار للطاقة رافق المراحل الاخيرة في مفاوضات الترسيم البحري اللبناني – الاسرائيلي ونجح في انجازه. كلاهما يتنافسان الآن على سبل اخراج انتخاب الرئيس من مأزقه كي يفوز بالانجاز.
الفارق الرئيس بينهما، وهو احد مآخذ الموفد الفرنسي، ان لودريان يواكب عمل الدول الخمس فيما يميل هوكشتاين الى الاستئثار بالدور، متخذاً من مفاوضات الترسيم البحري قياساً امكن اختبار نجاحه قبلاً، ويتوخى تعميمه مجدداً. ما ينقل عن لودريان وتؤكده مصادر ديبلوماسية فرنسية في معرض دفاعها عن مهمته، ملاحظات ثلاث:
اولاها، ان الدخول المفاجىء لهوكشتاين على ملف انتخاب الرئيس اربك بادئ بدء الفرنسيين انفسهم. لم يعودوا يعرفون محاورهم الاميركي فيه: هوكشتاين، ام السفيرة في بيروت ليزا جونسون عضو اللجنة الخماسية، ام مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى باربرا ليف اول مَن قارب الملف في الاشهر الاولى للشغور في آذار 2023 لدى زيارتها بيروت؟ ما تورده المصادر الديبلوماسية الفرنسية يتقاطع مع ما سمعه نواب مسيحيون اجتمعوا اخيراً بالسفيرة الاميركية اظهرت امامهم جدية عمل الدول الخمس، قاصرة المهمة عليها. جزمت جونسون امامهم بانتخاب الرئيس «في وقت ليس بعيداً. هذه السنة».
يتكامل في المقابل دورا لودريان مع السفير في بيروت هيرفيه ماغرو مع هامش اوسع للاول بصفته موفداً خاصاً للرئيس، يدلي بما لا يُشعره بالحذر والاحراج الديبلوماسي على نحو ما سمعه منه محدثوه اللبنانيون اخيراً في باريس، معبّراً عن امتعاض الاليزيه اكثر منها ما يملك الكي دورسيه قوله وكذلك السفير: «السياسيون المسيحيون لاسيما منهم الموارنة غير قادرين على الاتفاق على مرشح، وهو احد اسباب عدم انتخاب الرئيس حتى هذا الوقت». لاحظ ايضاً ان «لا ثقة ولا جدية في التعامل مع الانتخاب مقدار التركيز على التناقضات بين السياسيين الموارنة»، ماراً بمحطة سابقة هي تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون. قال لودريان: «لم يحظ التمديد له بتوافق ماروني كامل ونجم عن مشاورات واتصالات طويلة متعبة». اما المهم في ما كشف عنه في اجتماعه الاخير في بيروت «مع الجناح السياسي لحزب الله فهو عدم انخراطه الجدي في انتخاب الرئيس جراء انشغاله بالوضع على الحدود مع اسرائيل»، قبل ان يضيف: «المشكلة ان اللبنانيين لا يرون اسرائيل جدية في رغبتها في دخول الحرب رغم تهديداتها اليومية المتواصلة، واعلانها عدم قبولها بالعودة الى الوضع الذي كان سائداً في السنوات المنصرمة».
ثانيتها، تطفّل الموفد الاميركي على ملف هو في عهدة الدول الخمس بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا، شتت الادوار واعطب التوقعات. ما ينقل عن لودريان ان هوكشتاين يتجاوز عمل جونسون في الملف اللبناني بما في ذلك الاستحقاق الرئاسي: «ما ان تتفق الدول الخمس على موقف، يصدر عنه آخر معاكس محاولاً اظهار نفسه مفاوضاً صعباً ومتمرساً ذا ثقة مفرطة بالنفس بعد نجاحه في اتفاق الترسيم البحري».
يضيف لودريان: «سهّل الاتفاق اللبناني – الاسرائيلي على الترسيم رغبة الاطراف جميعاً في تبادل المنافع والمصالح الاقتصادية، خلافاً للمتوقع ان ينجم عن مقاربة الحدود البرية التي تكتفي بضمان الامن والاستقرار بلا اي منافع اقتصادية».
ثالثتها، تأكيد الموفد الفرنسي دوره في موازاة الدول الخمس بتنسيق كامل معها. قبل اقل من شهرين زار القاهرة، ابان الحديث عن احتمال رفع اجتماع الدول الخمس من مستوى السفراء والمستشارين الى وزراء الخارجية. ذُكر ان المحاولة الاولى عقد الاجتماع في بيروت فتعذر، ثم في الدوحة فتعذر ايضاً، ثم في الرياض فتعذر للمرة الثالثة. طلب لودريان مقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي تجمعه به علاقة شخصية سابقة مذ كانا معاً وزيرين للدفاع في بلديهما في وقت متزامن. اخفق في الاجتماع به لضيق وقت رئيس الدولة، فاجتمع بوزير الخارجية سامح شكري وفاتحه في استضافة مصر اجتماع الوزراء الخمسة فلم يلقَ ترحيباً.
في ما يفصح عنه لودريان امام شخصيات لبنانية اجتمع بها في باريس، هو الاشتراكي المخضرم الذي لا يكظم الانتقاد الدائم للاميركيين، تذمره من تطفل هوكشتاين في ملف لم يُعهد اليه به، هو انتخاب الرئيس اللبناني. المرة الاولى اتى هوكشتين على ذكر الاستحقاق الرئاسي في زيارته الاخيرة لبيروت في آذار الفائت عندما ربط بين ترتيبات اعادة الاستقرار الى الجنوب ووجود سلطات دستورية متكاملة، متحدثاً عندئذ عن ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية يتولى التنفيذ. كانت تلك المحطة الاولى والوحيدة، في بيروت، يلمح الى اهتمامه بالاستحقاق ما اشاع انطباعاً بايكاله الملف. في الزيارة الاخيرة اعاد هوكشتين استخدام الاغراء نفسه عشية الوصول الى اتفاق الترسيم البحري: من دون تطرقه الى تنفيذ القرار 1701 كاملاً ولا الى النقاط الحدودية ومزارع شبعا، طلب اجراء ترتيبات امنية محدودة في الجنوب تقضي بانسحاب حزب الله سبعة كيلومترات من الخط الازرق في مقابل حصول لبنان على مساعدات ودعم لاعادة اعمار قرى الجنوب، دونما ان يعيّن مصدرها.