سجّل أمس ارتفاع فائدة الـ”انتربنك”، أو الاقتراض بين المصارف من يوم ليوم، إلى 150%، وهو مستوى يُعدّ مرتفع جداً.
وبحسب مصادر مصرفية، فإن هذا الأمر يعود إلى السياسة النقدية التي اتّبعها مصرف لبنان والقائمة على تجفيف الليرة من السوق وزيادة الطلب عليها.
وهذه السياسة أُقرّت في مطلع 2023 أيام حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في سياق محاولة لتخفيف الضغط على الليرة وكانت أداتها الأساسية عمليات “صيرفة” التي دفعت الكتل النقدية المتداولة بالليرة إلى الدوران في حلقة بين مصرف لبنان والمصارف.
وفي أواخر أيام سلامة، حصلت تفاهمات بين مصرف لبنان ورئيس الحكومة ووزير المال، تقوم على استعمال الأدوات الضريبية لسحب السيولة بدلاً من استعمال “صيرفة”، على أن هذه الأخيرة حُصرت برواتب العاملين في القطاع العام ليتقاضوا رواتبهم بالدولار بدلاً من الليرة.
واستكمل الحاكم بالإنابة وسيم منصوري هذه السياسة التي سوّق لها في إطار “التوقف عن إقراض الحكومة”.
وبالفعل، بدأت تتجمّع كميات كبيرة من الليرة اللبنانية في حساب الـ36، أي حساب الخزينة لدى المصرف المركزي، حتى إن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أشار أثناء مناقشات موازنة 2024 في مجلس النواب، إلى أن المبلغ المتراكم في هذا الحساب بلغ 130 ألف مليار ليرة. ويُقدّر اليوم أن ما تراكم في هذا الحساب يصل إلى 150 ألف مليار ليرة، إذ تراجعت الكتلة النقدية المتداولة، من 83289 مليار ليرة وهو أعلى مستوى بلغته في شباط 2023، إلى 58298 مليار ليرة في منتصف آذار الجاري، أي بتراجع قيمته 24991 مليار ليرة ونسبته 30%.في إطار هذه السياسة، برزت الحاجة بين المصارف إلى الليرة. الحاجة مرتبطة بأمرين: هناك مصارف تسدّد للزبائن الذين يرغبون بتسييل حساباتهم من الدولار المصرفي وفق سعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، وبالتالي هي بحاجة إلى ليرات. وهناك حاجة لدى المصارف إلى تسديد قسم من مصاريفها التشغيلية بالليرة اللبنانية أيضاً. وفي المقابل، فإن إيرادات المصارف باتت كلّها بالدولار النقدي (الفريش)، أو باللولار (من توظيفاتها لدى مصرف لبنان)، وليست لديها إيرادات كبيرة بالليرة من سندات الخزينة أو من توظيفاتها بالليرة لدى مصرف لبنان.
هكذا ارتفع الطلب على الليرة بين المصارف، وهو طلب مصطنع ناتج من السياسات النقدية التشدّدية والسياسات الحكومية التقشفية التي توهم أن قيمة الليرة ما زالت مرتفعة، بينما في الواقع تكاد الليرة اللبنانية بلا قيمة ولا قوّة شرائية، وأبرز مؤشّر على ذلك أن مبيعات السوق مدولرة بشكل شبه شامل، وأن النشاط الاستهلاكي يتم من خلال استعمال الدولارات النقدية بالشكل الأساسي وبالليرة اللبنانية بشكل طفيف جداً. أصلاً مجرّد وجود فائدة مرتفعة على الليرة تصل إلى 150%، هذا معناه أن قيمة الليرة الفعلية متدنية بعكس ما يوحي الطلب المتزايد عليها.
وكانت فائدة الانتربنك قد شهدت تقلبات واسعة في الأشهر الأخيرة، إلا أنها لم تتدنَّ عن 20%، ولكنها لم تبلغ مستوى الـ150% إلا مرة واحدة قبل نحو شهرين ثم انخفضت إلى ما بين 70% و80%، وعادت اليوم لتبلغ اليوم هذا المستوى مجدداً.