التيار – القوات: معراب تنتقم بمفعول رجعي!

جريدة الأخبار

|ميسم رزق|

في 18 كانون الثاني 2016، أنتج «تآخي» الرابية ومعراب تفاهماً، قبضَت بموجبه الأولى على رئاسة «جمهورية قوية» مقابل حصول الثانية على حصة متساوية في المواقع المسيحية في الدولة، وعلى قانون انتخابات جعلها تنمو برلمانياً. لكن، سرعان ما عادت الأمور إلى سيرتها الأولى، وعاد معها نبش اتهامات الخيانة والغدر إلى سابق عهدها. التحالفات القوية التي نسجها التيار الوطني الحر آنذاك مع كلّ من حزب الله والرئيس سعد الحريري مكّنته من إدارة الظهر لحزب القوات اللبنانية، ورمي ورقة التفاهم في وجه سمير جعجع لـ «يبلّها ويشرب ماءها».

غير أن جعجع الذي يجيد «اللطي» بقيَ «لاطياً» إلى أن آن أوان الاستحقاق الكبير مجدداً. دعم حزب الله ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهو ما لم يبلعه النائب جبران باسيل، فلاحت الفرصة القواتية للقيام بـ«ردة إجر» لرئيس التيار الوطني الحر. حساسية المرحلة، محلياً وإقليمياً وعالمياً، لم تحل دون شهية معراب لـ «الانتقام» وفتح الدفاتر القديمة. مهما حاول جعجع تصوير الخلاف على أنه حول خيارات إستراتيجية كبرى، إلا أنه يدرك أن تأثيره وغريمه في هذه الخيارات ليس من النوع المؤثر. لذلك، فإن أصل الخلاف ومنبعه بين الطرفين هو رئاسة الجمهورية، فقط! وهو يستفيد في ذلك من تصعيب حزب الله الأمر على التيار الوطني الحر. إذ لم تنفع مع الأول الرسائل المبطنة ولا المشفّرة ولا العلنية، ولا كل الهجوم العونيّ عليه، فالتزم الصمت أمام كل الحملات والاتهامات والتجريح، مع تأكيد دائم على موقفه الداعم لفرنجية. انتقل باسيل إلى مرحلة ثانية من المناورة، بالذهاب إلى «تقاطع ظرفي» مع بقية القوى المسيحية تحت عنوان ترشيح جهاد أزعور للرئاسة، ليسَ لإيصال الأخير إلى بعبدا، بل للضغط على الحزب ودفعه إلى التخلي عن فرنجية. سقط الرهان مرة أخرى، لكن باسيل اندفع أكثر نحو مزيد من استخدام «الورقة المسيحية».

في المؤتمر الوطني السنوي للتيار الوطني الحر في 17 آذار الجاري، ناشد رئيسه كلّ القوى المسيحية «باسم كل التضحيات وآلاف الشهداء، وعلى رأسهم بشير الـ10452 كلم، وضْع خطٍّ أحمر تحت الوجود والشراكة المتناصفة ولبنان الكبير» لأنّ «خسارة أو استضعاف أي مجموعة منّا هي خسارة لوجودنا. كلّنا بحاجة إلى بعضنا لنبقى، وليبقى لبنان الرسالة الذي نريده مع شركائنا». وشدّد على أن هذه الدعوة ليست «دعوة لحلف طائفي ضدّ أحد، إنما للشراكة بين الكل انطلاقاً من حماية الوجود للكل». كما لجأ إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي بما «يمثّله من مجد لبنان»، طالباً منه أن يجمع القيادات السياسية المسيحية لأنّه لا يوجد سبب لعدم اللقاء». وتوجّه إلى هذه القيادات بأن «الوقت ليس للمزايدات، ولا للعدائية التي يظهرها البعض لأنّ أحداً لا يستطيع إلغاء أحد. ومن يعتقد من السبعينات إلى الثمانينات وصولاً إلى التسعينات، أنه ربح بحذف غيره داخل طائفته، ليتذكّر ويتعلّم أن النتيجة كانت خسارةً للمسيحيين وإضعافهم من دون ربح له».

غير أن تحذيرات باسيل الوجودية لم تجد آذاناً صاغية أمام شهية معراب المفتوحة للانتقام. سريعاً، في اليوم التالي، ردّت الدائرة الإعلامية في القوات على «مناشدات» باسيل، بأن «التيار الوطني الحر يرتكب المأساة ويهرع لتحميلها للآخرين كالإطفائي المهووس بالحرائق الذي يشعلها ليدّعي أنه يريد إطفاءها». وبدا أن التراكمات التاريخية أكبر من أن يساعد تحذير من هدم الهيكل على الجميع على تجاوزها.

في العلن، يتحدث القواتيون عن «قرار حاسم» بعدم السماح لباسيل باستخدام بكركي لمساندته في تحويله مرجعية سياسية مجدداً. يكرر هؤلاء الحجة نفسها بأن «ما يفعله باسيل ليسَ سوى محاولة جديدة لرفع سعره عند حزب الله والحصول على التعويض الذي يريده عبر ورقة وحدة الموقف المسيحي». و«هذا ما لن يحصل عليه»، وفقاً لما يؤكده القواتيون الذين يعتبرون أن «الافتراق بين باسيل والحزب لا يزال لفظياً، والمطلوب من رئيس التيار الذهاب إلى مواقف أكبر من ذلك بكثير». مشكلة باسيل بالنسبة إلى معراب أن «الحزب لم يعره أيّ اهتمام رغمَ كل محاولات الابتزاز، ويستمر في تجاهله، أولاً بدعم فرنجية، وثانياً بدعم رئيس الحكومة وتغطية اجتماعاتها، وفي ملفات أخرى كما في ملف التمديد لقائد الجيش» العماد جوزف عون. لذلك، في رأي هؤلاء، «يهرب باسيل الآن إلى ورقة كبيرة عنوانها وحدة الموقف المسيحي التي تدغدغ إلى حد كبير مشاعر الغالبية في بكركي»، ولكنها «لا تحرج القوات التي تصرّ على وحدة الموقف السياسي». صحيح أن التيار، عبر ممثليه في اجتماعات اللجان في بكركي، وصلَ إلى حدّ «تبني القرارات الدولية (التي تُعتبر مستفزة بالنسبة إلى حزب الله)، ولكنه لا يزال يصرّ على عدم الدخول في تسميات أو محددات، ويصرّ على إدراج بند سلاح حزب الله في إطار ما يُسمى الإستراتيجية الدفاعية»، وعليه، فإن «كثيراً من الأمور تؤكد لنا أن باسيل لا يهدف من صورة بكركي سوى الضغط على حزب الله»، وأنه «ضمنياً لا يريد فك التحالف، ويعلم أن أي تحالف مع المسيحيين لن يعود عليه بأي مكاسب كتلك التي يحققها له التحالف مع الحزب. وإذا كانت معراب تقبل بإعطائه صورة التقاطع الظرفي، لكنها حتماً لن تمنحه ورقة الوحدة المسيحية لتحقيق مكاسب من حزب الله على حسابها، ولن تكون القوات قوات عهد باسيل».

أياً يكن، وبعيداً من شكليات «المصلحة المسيحية» التي يدّعيها الطرفان، فإن كل ما يحصل اليوم ليسَ سوى ارتدادات عام 2016. يومَ وُقّع التفاهم، ظن سمير جعجع أن انتخابه ميشال عون، سيعود عليه بالرئاسة بعدَ ست سنوات تحت عنوان ردّ الجميل، منطلقاً من قاعدة أن «الوجود في الحكم يفترض المشاركة والليونة»، متخيلاً أن عون وباسيل سيردان الجميل بانتخابه رئيساً. لكن باسيل، بدأ منذ اليوم الأول لانتخاب «عمه» يحضّر للعهد الذي يليه، وهو عهد «جبران باسيل».

قبلَ انقضاء السنوات الستّ، أكل جعجع الضرب. وبعدَ انقضائها لحق به باسيل. فلا رئيس «القوات» نالَ ما أراد ولا باسيل قادِر على أن ينال ما كان يخطّط له. إلا أن جعجع وجدَ نفسه في وضع أفضل من وضع «غريمه» الذي أصبحَ «وحيداً» ويُمكن الاستفراد به. صحيح أن جعجع يرفض وصول أي رئيس يدعمه حزب الله أو يُسميه، لكن معركته الأساسية هي في منع باسيل من الوصول إلى بعبدا عبر المسيحيين ومعراب، ومنعه أيضاً من إحياء تحالفه مع حزب الله عبر العبور فوقَ الجسر المسيحي وجسر معراب»… عملياً هو «انتقام قواتي بمفعول رجعي»!