كيف يتقرر مصير المصارف في لبنان؟

جريدة الأخبار

|ماهر سلامة| 

ثمة فكرة رائجة بأنّ بعض المصارف فقط، قادرة على التعافي من الأزمة الحالية، بينما لا تقدر بقية المصارف على الاستمرار. المعايير التي حدّدت في مشروع معالجة أوضاع المصارف لم تكن واضحة المعالم، بل كانت أقرب إلى خطوط عامة. علما ان في لبنان خصوصية، تجعل من الصعب الاكتفاء بالمعايير العالمية المتّبعة لتحديد مصير المصارف. مثل نسبة كفاية رأس المال ونسبة تغطية السيولة، لحسم قابلية هذا المصرف أو ذاك للاستمرار. خصوصا وان هناك بعد اخر، يتعلق بالتوزيع السياسي والطائفي للمصارف، ولا يقف فقط عند البعد التجاري. وبرأي عضو سابق في لجنة الرقابة على المصارف، فأنّ انهيار القطاع المصرفي يحتاج إلى معايير خاصّة ربطاً بالمخاطر النظامية(systemic risk). وبحسب مجلس الاستقرار المالي (FSB)، وهذه المخاطر تتعلق «بتعطيل تدفّق الخدمات المالية الناجم عن ضعف النظام المالي بأكمله أو أجزاء منه، والذي قد تكون له عواقب خطيرة على الاقتصاد الحقيقي». تحت هذه المواصفات يندرج وضع القطاع المصرفي في لبنان، إذ إنّ الضرر أصاب القطاع بأكمله وتعطّلت آلية العمل الطبيعية فيه، سواء الإقراض الذي لم يعد متاحاً، أو الإدّخار في الودائع الذي لم يعد يرى في المصارف مخزناً موثوقا بمعزل عن المردود، فضلاً عن أن الانهيار انعكس مباشرة على الاقتصاد الذي انكمش حجمه من 55 مليار دولار في 2018 إلى 18 مليار دولار، أي بنسبة 67%.

معايير الدولة: لا جدية

استندت خطة معالجة أوضاع المصارف، على المعايير العالمية المتّبعة لتحديد صحّة المصارف وقابليتها للاستمرار، ولا سيما معيارَي السيولة والملاءة. السيولة هي قدرة المصرف على تغطية الالتزامات الفورية والقصيرة المدى، بينما الملاءة ترتبط بقدرة المصرف على تلبية الالتزامات المتوسطة المدى. بهذا المعنى، يعتقد اصحاب المشروع أنه تم تحديد المصارف التي ستُقصى من السوق بشكل نهائي، والمصارف التي تخضع للتقييم الاستثنائي أو الإنقاذ. فالمادة 54 من مشروع القانون، أشارت إلى ضرورة التزام المصرف بمعيار السيولة خلال ثلاثة أشهر، أي «ألا تقلّ نسبة صافي الأموال الجاهزة الحرّة في الخارج إلى الأموال الجديدة، عن 100%، تماشياً مع متطلّبات الحدّ الأدنى للسيولة من أجل تغطية الأموال الجديدة». تفسير هذه العبارة واضح، وهو أن السيولة مخصّصة للأموال الجديدة التي تسمّى «فريش»، وهو أمر فرضته تعاميم مصرف لبنان منذ مدة طويلة، ولكن السيولة التي يُفترض معالجتها تتعلّق بالأموال السابقة المحجوزة، فكيف يمكن أن تُحدد الحكومة المصارف المؤهّلة لتخطّي مرحلة التدقيق الأوّلي، من دون فرض معايير على قدرتها على توفير السيولة لتغطية الودائع السابقة للأزمة؟
أما بالنسبة إلى معيار رأس المال الذي ورد في المشروع، والذي يعكس معيار الملاءة، فقد قالت الخطّة إنّ المصرف المؤهل للاستمرار يجب أن يستوفي الحدّ الأدنى لرأس المال، أي أن يكون لديه رأسمال كافٍ ضمن حدّ أدنى. هذا المعيار حُدّد على أساس معايير متطلّبات مصرف لبنان في تعاميمه، علماً بأن المصرف المركزي خفّض متطلبات الحد الأدنى لرأس المال عدّة مرات منذ بداية الأزمة. في عام 2014 كان الحدّ الأدنى للملاءة 8% نسبة لحقوق حملة الأسهم العادية، 10% نسبة للأموال الخاصّة الأساسية و12% نسبة للأموال الخاصّة الإجمالية، وهي نسب كان حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة يتباهى بأنها أعلى من تلك المطلوبة بموجب معايير «بازل3». أما النسب التي تطرحها خطة الحكومة، فهي 4.5% و6% و8% توالياً.

ولا تذكر الخطة أي شيء عن «احتياطي الحفاظ على الأموال الخاصة» أو ما يُعرف بالـ«capital conservation buffer»، وهي احتياطات أدخلها بنك التسوية الدولية لضمان حصول المصارف على طبقة إضافية من رأس المال القابل للاستخدام، والتي يمكن سحبها عند تكبّد الخسائر. في هذا السياق، يرى العضو السابق في لجنة الرقابة، أنّ «هدف هذا الاحتياطي، هو الحفاظ على الأموال الخاصة، أي امتصاص الخسائر المحتملة. لذا، يعد تجاهل هذا الاحتياطي في المشروع، بمنزلة اعتراف ضمني بأنّ الأموال الخاصة غير كافية لامتصاص الخسائر».

استمرار مصارف الزومبي؟

عملياً، تغض المعايير التي وضعها مشروع القانون النظر بجزء منها، عن الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها الودائع «القديمة»، وهي تحاكي فقط «الأموال الجديدة». ومن ناحية أخرى تحاكي معايير الملاءة التي وضعها مصرف لبنان في الوضع الطبيعي. لا يوجد في هذه المعايير أي شيء يحاكي الأزمة، بمعنى أنّ المعايير لا تأخذ في الحسبان وجود خسائر هائلة في القطاع المصرفي اللبناني. كما أن الخطّة تعطي مدة سماح(forbearance measure) للمصارف مدتها ثلاث سنوات لتحقيق نسب رأس المال المناسبة. هذا إجراء قد يكون طبيعياً خلال الأزمات المالية أو الاقتصادية حين تقوم الجهات الناظمة بخفض متطلّبات رأس المال من أجل تخفيف الأثر السلبي للأزمة على القطاع المصرفي، أو عندما يفشل مصرف معيّن في تلبية متطلبات رأس المال ويُسمح له بمواصلة العمليات، لكن مع شرط توقع قدرته لاحقا على إعادة الرسملة. لكن السؤال المطروح هنا، هل تستطيع كل المصارف اللبنانية أن تعيد الرسملة خلال ثلاث سنوات، أم أنّ هذا الإجراء سيعطي فرصة لمصارف «الزومبي» أن تتحمّل مدة إضافية من دون أن تثبيت خسائرها على الورق.