| ناديا الحلاق |
لم يعد مقبولاً السكوت عما يحصل في المستشفيات الحكومية والخاصة، من حوادث وأخطاء طبية يتعرض لها اللبنانيون يومياً داخل المستشفيات وفي أقسام الطوارئ، وتقضي على العشرات منهم في إشارة إلى مدى الإهمال والاستهتار المتعمّد بصحة وحياة المرضى.
يقصد المريض طريقه إلى إحدى المستشفيات المعروفة في منطقة الحازمية وهو يعتقد أنه سيتلقى أفضل علاج، ولكن تفاجأ بأطباء نكثوا بقسمهم وتناسوا واجبهم المهني والأخلاقي وتعاملوا مع المرضى “بلا مسؤولية”.
دخل الطفل جاد (اسم مستعار) إلى قسم الطوارئ في تلك المستشفى “المشؤومة” في وقت متأخر من الليل، بعد أن أصابه ألم حاد في البطن والحنجرة، فطلبت والدته طبيباً مختصاً للكشف عن حالته، ولما وصلت الطبيبة “المناوبة” لم تكلّف نفسها إجراء الفحوصات الروتينية للطفل (فحص الأذنين، الحنجرة، الرئتين) بل اتجهت فوراً لطلب إجراء فحوصات (كوفيد-19 والانفلونزا)، ولما أصرّت الوالدة على فحص حنجرة جاد بعد أن أخبرتها بأن طفلها يعاني من رائحة فم كريهة، أجابتها الطبيبة باستهتار: “في شوية احمرار، يمكن فيروس، يومين وبيتحسن”. كما جزمت للأهل أن الطفل لا يحتاج لأي علاج واكتفت بوصف دواء لألم البطن. ولسوء حظ جاد أنه وقع تحت أيدي طبيبة عديمة الخبرة ومحدودة الكفاءة.
تصرفات الطبيبة وطريقة فحصها لم تطمئن الوالدة التي عرضت ابنها في اليوم نفسه على طبيب أطفال، ليتبين أن الطفل مصاب بالتهاب في أذنيه كما يعاني من فطريات في الفم وكان بحاجة لأدوية مضادة للالتهابات والفطريات فوراً قبل أن تتطور حالته.
تشخيص طبيبة الطوارئ لحالة الطفل أثار استغراب طبيب الأطفال الذي عاين جاد، خصوصاً وأن التهاب الأذن والفطريات في الفم كانا واضحين، إذ قال الطبيب للأهل أنه من المعيب أن تخفق طبيبة الطوارئ بتشخيص حالة الطفل، كما وأبلغهم أن تأخير زيارته كان من شانه أن يدهور حالة ابنهم الصحية ويزيد من شدة الالتهاب والفطريات ويعرضه للخطر”.
ما حصل مع الطفل جاد ليس استثنائياً، وقد يتكرر مع أي حالة أخرى، بسبب تساهل الوزارات المعنية وعدم محاسبة كل من حوّل رسالة الطب إلى مهنة لكسب المال السريع.
الإهمال الطبي في لبنان أصبح ملفاً معقداً يصعب التعامل معه، وهناك حالات أخرى، تعرضت للضغط والترهيب حتى تتكتم عن الإهمال الطبي الذي واجهته في المستشفيات اللبنانية، وربما يعود السبب لهجرة عدد كبير من الأطباء ذات الكفاءة العالية، والنقص في الكادر الطبي والمعدات الطبية، وقلة الضمير والمسؤولية وانخفاض الرواتب المخصصة للكوادر الطبية، ما أثر بشكل مباشر على أدائهم المهني وكيفية التعامل مع المرضى. فمن يُحاسب في حالة الطفل جاد، الطبيبة أم المؤسسة الطبية برمتها؟ وهل قانون المسؤولية الطبية مفعّل في لبنان؟