| غاصب المختار |
ما زال البلد يشهد، منذ أشهر، حالة غريبة عجيبة من “الجدل البيزنطي” العقيم حول إتمام الاستحقاق الرئاسي، وأيهما قبلاً: الحوار أو جلسات انتخاب الرئيس؟ وأي مرشح نريد؟ وماهي مواصفاته؟ ومن يرضى عنه هذا الفريق أو ذاك، هذه الدولة أو تلك؟ بينما البلد يعيش أزمات وجودية تهدد الكيان ونظامه السياسي وشعبه!
على الرغم مبادرة تكتل “الاعتدال الوطني” الأخيرة، والكلام الذي أحاطها حول إيجابيات وموافقات من أغلب الكتل النيابية على مضمونها التشاوري، إلّا أن “الجدل البيزنطي” استمر قائماً حول تفاصيل المبادرة وآلياتها الشكلية الغامضة، وكأن البلد والناس يحتملون مزيداً من الانهيارات في كل مناحي الحياة العامة والخاصة، لا سيما لجهة تعطيل مرافق ووزارات ومؤسسات رسمية، وشلّ العمل فيها بالإضرابات والاحتجاجات، والحكومة تداوي الجرح النازف “بتركيب طرابيش” وإجراءات ترقيعية من هنا وهناك، لأن الخزينة مفلسة والمصرف المركزي أقفل بشكل تام “الحنفية” التي كانت ترفد الدولة بالمال العشوائي، وهو ما أكده حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري بالقول لموقع “الجريدة” إن “إقراض الدولة وتغطية عجزها، أصبح من الماضي، ولدى الخزينة أموالاً فلتتصرف بها”، علماً أن هذه الأموال المرتقب تحصيلها ستكون من جيوب المواطنين عبر الزيادات غير المنطقية على الرسوم في كل معاملات الدولة، ما يدل على استمرار غياب الرؤية الاقتصادية الإنقاذية الشاملة لدى الحكومات المتعاقبة.
ومن مواضيع الجدل البيزنطي أيضاً، ما يتم تداوله عن مساعي الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لوقف المواجهات العسكرية في جبهة الجنوب، وهي التي باتت تكراراً ممجوجاً لما سبق وعرضه هوكشتاين وغيره من موفدين غربيين، وسمعوا الجواب ذاته من الحكومة اللبنانية، ومن المقاومة، لكنهم عبثاً يكررون طرح الأفكار والاقتراحات ذاتها، وينقلون التحذيرات والتهديدات من توسع الحرب، التي لو كانت ستحصل لحصلت منذ أكثر من أربعة أشهر.
على هذا، سيبقى البلد وسط بحر هائج من التوترات السياسية والأمنية، ما لم تُحرز مبادرة تكتل “الاعتدال” خطوة تنفيذية في وقت قريب، خلال جولاتها الثانية المقررة الأسبوع المقبل على القوى السياسية، لشرح كل التفاصيل المتعلقة بآليات المبادرة، والرد على أسئلة الكتل التي لم تلقَ جواباً شافياً بعد من “التكتل”، بدليل استمرار الجدل البيزنطي حولها عبر الشاشات والتصريحات، علماً أن كتلة “حزب الله” النيابية لم تعطِ بعد جوابها للتكتل على المبادرة التي طرحها خلال لقائه بالنائب محمد رعد.