| كريم الأمين |
تعهَّد الحاكم بالإنابة وسيم منصوري في المؤتمر الصحافي في تاريخ 31 تموز عام 2023، أي قبل يوم من تسلّم منصب الحاكمية، بـ«الشفافية الكاملة في عمله». لكن يبدو أن منصوري، الحائز على دكتوراه في القانون العام، قرّر أن يسلك طريق الحاكم السابق رياض سلامة القائم على أن ما يُقال علناً هو خلاف ما يحدث فعلياً. بالفعل، تبيّن أن هيئة الشراء العام سجَّلت عدة مخالفات جوهرية لأحكام قانون الشراء العام على مناقصتين أطلقهما مصرف لبنان بتاريخ 12/2/2024 لتلزيم الصيانة السنوية لنظام التخزين، ولتطوير نظام التخزين المركزي (حيث تُخزن بيانات مصرف لبنان إلكترونياً).
تبيّن لهيئة الشراء العام بعد التدقيق في دفترَي الشروط العائدين لكل من التلزيمين أن هناك مخالفات جوهرية عدّة، ولا سيما في أحكام المواد 1 (في ما خصّ الشفافية) و7 (المؤهّلات) و17 (وصف موضوع الشراء) و18 (معايير التقييم) و37 (قيمة العقد) و53 (محتويات ملفي التلزيم) و55 (الجهة المخوّلة تحديد العرض الأنسب) و100 (لجان التلزيم). لذا، طلبت الهيئة تجميد المناقصتين.
في التفاصيل يتبين أولاً أن المخالفة في «دفع قيمة العقد»، تعود إلى غموض آلية الدفع التي وردت على شكل «الاتفاق مع المصرف ووفقاً للقاعدة المعتمدة من المصرف». وفي ما يتعلق بـ«شروط مشاركة العارضين»، يتّضح أن الوثائق الخاصة بالمؤهّلات المطلوبة التي يجب أن تتوافر في العارضين (المؤهلات المهنية والمالية والقانونية) في دفتر الشروط، ناقصة، وأن المستندات الاختيارية التي أُدرجت في دفتر الشروط لا دور لها في عملية التقييم، بل أتت غامضة وغير واضحة. ويتبين أيضاً عدم ذكر وجوب تقديم عرض فني من قبل العارض. ولم تقدم قيمة تقديرية لمشروع الشراء ما يشكل مخالفة في مادة «ضمان العرض».
كما تبيّن أنه تم التلاعب بالتسعير. إذ لم يُحدّد عدد المتدرّبين والوقت المطلوب الذي يشكل عاملاً في تحديد السعر. ولم تحدد كميات القطع الخاصة بالصيانة. كذلك لم يُحدّد إذا كانت كلفة القطع من ضمن العقد أو من خارجه. إضافة إلى ذلك، لم تحدّد متطلبات الصيانة الوقائية، وهو أيضاً يشكل عاملاً في تحديد السعر. وفي مخالفة لم تتضح غايتها بالنسبة إلى الهيئة، أدرج تسعير اللوازم والخدمات في الملحق الفني.
ولم تبين الجهة الشارية، أي مصرف لبنان، ما هي النسب المحدّدة لمعايير قبول العرض التقني، أو مدى إلزاميتها، ولا كيفية تطبيقها بل أخضعتها لاستنسابيّتها. ولم يحدد مصرف لبنان معايير إرساء التلزيم إذ أتت الشروط متناقضة من دون أن تتبع الإجراءات الشروط والأحكام القانونية.
وأوضحت هيئة الشراء العام أن دفتر شروط المناقصتين، بشكله الحالي، يخلط بين معايير المؤهلات وبين معايير إرساء التلزيم، لا بل إن المعايير نفسها غير واضحة. وأكدت أنه لا يمكن قبول أي منهجية تتضمن، بعد اجتياز أي عرض لمرحلة القبول الفني، إدراج معايير فنية في تقييم السعر المقدم من العارض بما يؤدي إلى ضرب معادلة التقييم. أي إن المصرف المركزي يسمح لنفسه بإعادة تقييم العرض الفني بعد قبوله بناء على الأسعار المقدّمة.
يُشار إلى أن تلزيم شركات خارجية لتطوير وصيانة نظام التخزين المركزي في مصرف لبنان، ينطوي على مخاطر سيادية، لأنه يعرّض بيانات حسّاسة أمنية وشخصية ومالية للانكشاف.