“عاصمة الحدود” بين عدوانيْن: توازن الردع يبقينا هنا

جريدة الأخبار

|آمال خليل|

في عدوان تموز 2006، حاول العدو «مسح» بنت جبيل عن الخريطة. واحد من أهداف الحملة آنذاك كان التقاط صورة نصر في المكان نفسه الذي أعلن فيه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بعد التحرير في عام 2000، أن إسرائيل «أوهن من بيت العنكبوت»، وهو ما لم يتحقّق. يدرك أهالي إحدى كبرى المدن الحدودية أن للعدو ثأراً مع مدينتهم، ويدركون أكثر أنه لولا توازن الردع الذي فرضته المقاومة، لما كان بقي فيها حجر على حجر، بعد خمسة أشهر من العدوان.على مدى الأشهر الثلاثة الأولى من العدوان، بقيت «عاصمة المقاومة والتحرير»، أكثر أمناً من بلدات المواجهة على طول الحدود الجنوبية، ولم تشهد حركة نزوح ملحوظة إلى ما قبل شهرين، عندما استهدفت غارة منزلاً لآل بزي في وسط المدينة، ما أدّى إلى استشهاد ثلاثة مدنيين. يومها، سُجلت موجة نزوح كبيرة شملت بعضَ من لم يغادروا المدينة في عدوان تموز. يقول غسان بزي: «حالة اللاحرب واللاسلم جعلت معظم الأهالي يصمدون، إلى أن ارتكبت إسرائيل مجزرة بآل بزي في وسط حي سكني}.

يقول رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزي إن «نحو 60 عائلة لا تزال مقيمة بشكل دائم في ظل توافر مقومات الصمود بالحد الأدنى»، مؤكداً أن «الوضع مقبول بالمقارنة مع عدوان 2006»، . فـ«النازحون يعودون نهاراً لتفقّد منازلهم ويغادرون قبل حلول المساء. وأحياناً عندما تطول فترة السلم، يتحمس البعض ويعود. لكنه يعاود النزوح بعد غارة جديدة». ويلفت إلى أن «الدمار الذي تسبب به عدوان 2024 لبنت جبيل اقتصادي، وليس عمرانياً على غرار عدوان 2006. فحتى الآن، استهدفت الغارات ست منازل. فيما الخسائر الإقتصادية كبيرة بسبب إقفال السوق التجاري».

يقدّر عضو بلدية بنت جبيل قاسم بيضون عدد النازحين من المدينة بـ 1070 عائلة، مشيراً إلى أن معظم النازحين قصدوا بلدات صور. وهناك 628 عائلة مسجّلة في بيانات لجنة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات قضاء صور، بخلاف موجات النزوح السابقة التي كانت تتركّز في بيروت، لاعتبارات عدة، «أولها قربها من بنت جبيل، ما يسمح للأهالي بالانتقال سريعاً لتفقّد منازلهم».

ويقارن بيضون بين عدوانَي 2006 و2024 على المدينة. «في عدوان 2006، صمدت غالبية العائلات في الأيام العشرة الأولى، قبل أن يحاول جيش العدو التسلل براً إلى مارون الرأس وعيناثا. أما الأيام العشرون المتبقية من العدوان، فقد مرت بسرعة برغم ثقل الدمار والشهداء. كانت أحوال الناس ميسّرة مادياً وتمكّنوا من تدبير أمورهم. أما في هذا العدوان، فقد استنفدت الحرب المقيمين والنازحين على السواء، ومن كان لديه مال أنفقه»، خصوصاً مع تأثيرات الحرب على اقتصاد «العاصمة الحدودية».

فمنذ بداية العدوان، توقّف تنظيم سوق الخميس الشعبي الأسبوعي. غير أن السوق التجاري بقي مزدهراً حتى نهاية كانون الأول الماضي. وعزّز الحركة التجارية نزوح عدد من أهالي البلدات المجاورة إلى بنت جبيل التي كانت لا تزال في منأى عن الاعتداءات. اليوم، نزوح الأهالي فرض إقفالاً شبه تام لمعظم المحال. ووفق إحصاء البلدية، «3% فقط من المحال لا تزال تعمل: إذ لا تزال 4 محال لبيع المواد الغذائية تعمل من أصل 26، وملحمتان من أصل 25، إضافة إلى فرنين فقط. أما جميع محالّ الألبسة والأحذية والحلويات والخرضوات فقد أقفلت أبوابها».

أحمد السيد حسن أحمد، صاحب محل للسمانة رفض إقفاله، نزح وعائلته عن المدينة، لكنه لا يزال يومياً يحضر صباح كل يوم إلى بنت جبيل ويغادرها عصراً. يقول: «لم يكن هدفي الربح، بل إثبات الوجود وبث الروح في السوق الفارغ وتشجيع الأهالي على تفقّد بنت جبيل بين الحين والآخر». ويشير إلى أن اثنين من اللحامين أعادا فتح محليهما قبل نحو شهر، فـ«أهل بنت جبيل والبلدات المحيطة اعتادوا شراء اللحم من هنا. وما إن استأنفا عملهما، حتى عادت الزحمة إلى الشارع».

في عدوان تموز 2006، نزح السيد حسن قبل أن يعود ليجد المحال التي ورثها عن والده قد دُمرت. يقول: «هذه المرة ليست أصعب من عدوان 2006 بفضل ردع المقاومة. لا تزال محالّنا هنا، ولا نزال قادرين على المجيء إلى بنت جبيل يومياً رغم أن علينا أخذ الاحتياطات لأن إسرائيل غدّارة».