| رندلى جبور |
بؤساء هم “المثاليون”، على رقيّ طوباويتهم وكرم عطائهم، فهم مسكونون بالإيمان بالخير والجمال والعدالة والحقوق، وسط ذئاب مسكونة بالكفر بكل هذه القيم.
“المثاليون” ينخرطون في قضايا الحق حتى نزف الدموع والدماء، ويظنّون أن الجميع سيفعل مثلهم لأن هذا هو الطبيعي، وإذ بهم يصطدمون بمن يتاجرون بالحق، وبمن لا يرون في دماء الآخرين إلا أرقاماً باللون الأحمر ستسقط أصلاً بعد حين.
و”المثاليون” يتخذون موقفاً، ولو على قطع رقابهم، ويظنون أن الجميع سيفعل مثلهم لأن هذا هو الطبيعي، وإذ بهم يصطدمون بمن يخلع موقفه ويسير عارياً، وكأن “جاكيتته” الباهظة الثمن تكفيه لستر عريه.
و”المثاليون” مستعدون للذهاب في إيمانهم بمن يحمل الخطايا نيابةً عن الجميع، حتى الصلب، وإذ بهم يصطدمون بمن يغدرون ويقبضون الثمن ذات أربعاء مظلم، وبمن ينادون بوجه المملوء حباً وعطاء: اصلبه.. اصلبه.. ليسلك حامل الخطايا طريق جلجلته في يوم جمعة أسود يتكرر على الدوام.
و”المثاليون” لا يكذبون، ويعتقدون أن الجميع صادقون، فيكتشفون أن الاكثرية تنتمي إلى فصيلة الكاذبين.
و”المثاليون” مستعدون دائماً للتضحية من أجل الجماعة، فيُصدمون باثنين: بالجماعة إياها التي تسخر منهم وتتنمر عليهم، وبمن يضحّون بالجماعة من أجل مصلحة خاصة أو ثمن ما.
و”المثاليون” يناضلون من أجل وطن وشعب وأرض، فتأتيهم السهام على شكل وطن لا يعتبره البعض إلا فندقاً، وشعب مخدّر، وأرض يسمسرها البعض كأنها مشاع.
و”المثاليون” ينتظرون الخير الكثير، فلا يصادفون على الطريق إلا الشر الكثير.
“المثاليون” يعتقدون أن الجميع في صفّهم بمواجهة كل مؤامرة، وإذ بهم يكتشفون بأن جزءاً معتبراً من هذا “الجميع” شريك في المؤامرة.
“المثاليون” يرون في لبنان حضارة ويضعون أنفسهم بتصرفها لتبقى حاضرة، والآخرون يرون في لبنان مغارة لصوصية ومحطة عابرة لا غد لها.
“المثاليون” يرون في فلسطين مهد الديانات السماوية، وحقاً ضائعاً لشعب مظلوم وأرضاً اغتصبها عدو، والآخرون يحملون صفتهم الدينية على الهوية ويدّعون الحفاظ عليها، فيما يقبلون ترك المقدّسات والمقدسيين يواجهون مصيرهم وحيدين.
“المثاليون” يرون في مشرقيتهم جذورهم الأصلية وتكاملهم الطبيعي، والآخرون يركضون خلق شرنقة ستخنقهم إذا جلسوا فيها.
“المثاليون” يعتبرون التنوع غنى وتبادلاً ثقافياً ووعياً عالياً واختلاطاً إنسانياً جميلاً، والآخرون يتلهون بصناعة المتاريس.
“المثاليون” يظنون أن كل آخر مثله جميل وحقيقي وصافي ومكتمل من الداخل، ومستعد لفعل أي شيء من أجل الخلاص الجماعي، وإذ ببعض هذا الآخر خائن ولا يفتش إلا عن “حبه الوهمي للحياة”، وعن موت جماعي مؤجل.
بؤساء هم “المثاليون”، ولكن يبقى لهم الشرف أنهم كذلك، حتى في منتصف بؤسهم…ففي تجرّع الكأس المُرّ، يُكتب كل خلاص!