|فؤاد بزي|
انخرط لبنان في «تراند» عالمي يشجّع استيراد السيارات الكهربائية والهجينة عبر إعفائها من الرسوم الجمركية. وهذا «التراند» بُني على أسطورة مفادها أن هذه السيارات «الصديقة للبيئة» لأنها توفّر استهلاك الوقود وتعمل بواسطة البطاريات أو بواسطة الوقود والبطاريات المساعدة. لكن تبيّن أن هذه السيارات ليست كذلك ولا ينطبق عليها صفة «موفّرة طاقة»، بل هي سيارات عاملة بواسطة الوقود أساساً. كارتيل استيراد السيارات، استطاع حشد نفوذه داخل مجلس النواب للإبقاء على إعفاء استيراد هذه السيارات من الرسوم والضرائب لتعزيز الأرباح.بمعزل عن فكرة أن شحن السيارات الكهربائية والهجينة تتطلّب زيادة في استهلاك الطاقة المنتجة بواسطة مواد لا تصنّف «بيئية» مثل الغاز والوقود والفحم الحجري وسواها، أي إن هذا التطوّر في صناعة وبيع السيارات قد يكون مجرّد عبارات تسويقية لهذا المنتج، فإن لبنان انطلت عليه الفكرة وحدّث تشريعاته في المبادلات التجارية الخارجية على هذا الأساس، مضمّناً السيارات الكهربائية والهجينة في لائحة الإعفاءات من الرسم الجمركي. بدأ ذلك في عام 2018، إذ صدر إعفاء في قانون موازنة 2018 (المادة 55) يخفّض الرسم الجمركي ورسم الاستهلاك الداخلي إلى 20% على أن يكون 10% للسيارات الهجينة العمومية، كما أعفيت هذه السيارات من رسم التسجيل ورسم الميكانيك عند تسجيلها للمرّة الأولى.
أهمية هذا التشريع أنه يعبّر عن سياسة ما تنتهجها الحكومة، أي إنه يبدو لوهلة أن الحكومة تريد تقليص فاتورة استيراد الوقود عبر تشجيع استعمال السيارات الكهربائية والهجينة «الموفّرة». لكن الواقع، أن السياسات الحكومية خضعت لما يريده مستوردو السيارات الذين روّجوا هذا النوع من السيارات على أنه موفّر بيئياً، فيما هم يقصدون زيادة ربحيّتهم. ففي عام 2017 استورد لبنان 7 سيارات هجينة بقيمة 116 ألف دولار، ثم في السنة التالية، ومع صدور الإعفاء، ازداد الاستيراد في نهاية تلك السنة إلى 130 سيارة بقيمة 6.9 ملايين دولار. ثم في نهاية 2019 سجّل استيراد 497 سيارة واستمرّ الأمر بالتزايد حتى بلغ 930 سيارة في نهاية آب 2023.
وفي قانون موازنة 2024، أعيد تكرار الإعفاء للسيارات الهجينة في المادة 72 بهدف تشجيع نمط التوفير في استخدام الوقود. لكن يقول أحد المسؤولين المعنيين، إن من كان حاضراً في جلسات مناقشة الموازنة هم أصحاب الكارتيلات، ومستوردو السيارات خصوصاً. الهمّ البيئي لم يكن أبداً هو المحفّز لإقرار هذه المادة، بل كان وراءها هؤلاء الذين لا همّ لديهم سوى الربحية عبر ركوب «التراند». واللافت أن مستوردي السيارات لم يتلقوا خسارة بسبب الأزمة، بل تبيّن بحسب الإحصاءات الجمركية، أن استيراد السيارات تضاعف مرّتين في عز سنوات الأزمة، من 772 مليون دولار عام 2019، حتى 1.4 مليار عام 2022. واستعمل المستوردون فكرة السيارات البيئية للترويج بأنهم يمارسون قدراً من النشاط الوطني باعتبار المركبات الكهربائية والهجينة صديقة للبيئة وغير ملوّثة وقادرة على تحقيق وفر على مستوى استهلاك الوقود والطاقة. وفي المقابل، حصل هؤلاء على سلّة إعفاءات ضريبية وصلت إلى حدّ إلغاء الرسوم الجمركية تماماً عن السيارات الكهربائية التي تستخدم محركات تعمل على طاقة الكهرباء حصراً، فيما استفادت السيارات الهجينة العاملة على محركين، كهربائي وعلى الوقود، من إعفاء يمتدّ إلى خمس سنوات بنسبة 80% على الرسوم الجمركية و70% من رسوم التسجيل والسير عند تسجيلها للمرة الأولى.
سذاجة النواب أو تآمرهم مع المستوردين وصل إلى حدّ التغاضي عن المعطيات المتاحة لهم. فقد تبيّن أن السيارات الهجينة، التي رُوّج على أنّها «صديقة للبيئة»، لديها انبعاثات أكبر بـ3 مرّات مما تُصرّح، لدرجة أنّها تقارب مثيلاتها التي تعمل على الوقود الأحفوري، وهي لا توفر من فاتورة الوقود على المستهلك. وهذا الأمر دفع عدداً من الدول إلى التراجع عن الإعفاءات الممنوحة لاستيراد هذه السيارات، بل إن بعض أجهزة الجمارك في عدد من الدول طلبت بناءً على توجيهات من منظمة الجمارك العالمية «إعادة النظر في الإعفاءات الجمركية، وتخفيف الاعتماد على السيارات الهجينة مقابل تعزيز تلك الكهربائية».
كان يفترض أن يبنى اتخاذ قرار بالإعفاء على دراسة متصلة بكمية الغاز الصادرة من السيارات، فالانبعاثات تصنّف أيضاً بكمية ثاني أكسيد الكربون التي تصدر عن السيارة لكل كيلومتر، وبناءً على الأرقام تحصل السيارات على نسب من الإعفاءات على الرسوم. كما أن المادة 72 أغفلت طريقة التعامل مع النفايات الصادرة عن هذه السيارات، فالبطاريات المستخدمة فيها مغايرة لتلك الأصغر حجماً الموجودة في السيارات العاملة على الوقود، وحتى اللحظة لم تأتِ القوانين على وضع أطر للتعامل مع التالفة منها، هل تُصدّر أم يُعاد تدويرها، أو التخلص منها في لبنان؟ مع ما تحمل العملية من تكاليف اقتصادية وبيئية عالية غير منظورة.