|نقولا ناصيف|
استعادت اليرزة بعض تطبيع علاقة مبنييْها المتجاوريْن، المتنافريْن تاريخياً على الصلاحية والممارسة والحجم. ما بين وزير وقائد في اليرزة لا شبيه ونظير له بين اي اثنين في مكان آخر في الدولة اللبنانية: كلٌ منهما يريد ان يقيم في الاثنين معاً ولوحده، مرة بإسم الاختصاص واخرى بإسم الإمرة
الاثنين الفائت، خابر وزير الدفاع موريس سليم قائد الجيش العماد جوزف عون ودعاه الى فنجان قهوة. التاسعة صباح الثلاثاء احتسياه معاً لساعة بين التاسعة والعاشرة. ما انتهت اليه حال اليرزة، محاولة استعادة توازن علاقة الرجلين ومساكنتهما الصعبة. ما ان يخرجا من مشكلة يدخلان في اخرى: مرة على صلاحيات، ومرة على اجراءات عرض عضلات، ومرة على تمديد، ومرة على تعيين.لأن المجلس الدستوري لم يقلْ كلمته في دستورية قانون تمديد ولاية عون في 15 كانون الاول فأضحى القانون نافذاً، غدا من الطبيعي لسليم التسليم بأمر واقع هو بقاء قائد الجيش في منصبه سنة جديدة بقانون اقرته السلطة الاشتراعية. ما صحّ في الحال هذه، لن يكون كذلك في ما حدث اخيراً بتعيين اللواء الركن حسان عودة رئيساً للاركان.
في اجتماعهما الثلاثاء، تحدّث وزير الدفاع وقائد الجيش في شؤون المؤسسة العسكرية، من بينها امتحانات تلاميذ الضباط في الكلية الحربية المجراة والمعلقة، رغم صدور نتائجها بعدما تجاهلت القيادة منذ ما قبل ادارتها الموافقة القانونية الملزمة للوزير. طلب منه عون المساعدة على مباشرة تطويع التلامذة الضباط الناجحين بتوقيع نتائجها تلك بذريعة ادلى بها ان تجميدها ألحَقَ ظلماً بهم وعائلاتهم. ردّ سليم استمهاله 48 ساعة لاتخاذ موقف.
الاهم في ما ناقشاه، إخطار وزير الدفاع قائد الجيش انه لن يعترف بتعيين عودة رئيساً للاركان. بالتأكيد لا يملك ان يجرّده من الرتبة الجديدة ولا تحريم تسلمه منصبه ولا منعه من دخول مكتبه. الا انه لن يوقّع اي معاملة يحيلها عودة اليه بأن يعيدها الى صاحبها لصدورها عن غير ذي صفة، ولن يستقبله بصفة قائد بالوكالة للجيش في غياب عون متى عزم على السفر لئلاً يكرّس سابقة الاعتراف بتعيينه المخالف للاصول الدستورية والقانونية، ودفاعاً عن صلاحيته كوزير شريك فعلي في السلطة الاجرائية لا على هامشها، ولا على هامش رئيس مجلس الوزراء.
الى اللحظة لم يقرر سليم الطعن لدى مجلس شورى الدولة في قرار مجلس الوزراء المتخذ في 8 شباط خلافاً للاصول الدستورية والقانونية. له تجربتان مخيّبتان مع قضاءيْن منفصلين افصحا عن تسييس في أدائهما وعجزهما عن احقاق الحق، من المؤكد ان ثالثهما المنفصل عنهما قد لا يكون أفضل حالا: القضاء المالي المتمثل في ديوان المحاسبة، والقضاء الدستوري المتمثل في المجلس الدستوري. بينما للاول قصة طويلة بدأت ولم تنته بعد، أظهر الثاني المُجرَّب أكثر فأكثر عجزه. في الجلسات التي عقدها المجلس الدستوري للنظر في مراجعة إبطال قانون تمديد ولاية قائد الجيش، انقسم مناصفة بين مَن مع دستورية القانون ومَن مع إبطاله، فاستعصى القرار وانتهى به المطاف الى التسليم بعجزه رغم الصلاحية المنوطة به وهي احقاق الحق. في ما برّره بعض اعضاء المجلس حيال انقسامه على القرار، ان الاصطفاف داخله كان مختلطاً بين ممثلي الطوائف فيه. عدم اصدار المجلس الدستوري قراره اتاح نفاذ قانون التمديد وأضحى امراً واقعاً فوق الجميع. مع ان مجلس شورى الدولة اقدم عمراً وسمعة ومراساً بنشوئه في زمان الدولة اللبنانية الحقة، ورجالاته الاوائل، ولم تكن المحاصصة قد دخلت اليه، يصعب الاعتقاد بتحييده عن التسييس دونما الحكم المسبق عليه. ما يحتاج اليه السياسيون في القضاء، اياً تكن ابوابه، هو ما يُفترض ان يحيد به عن احقاق الحق.
في ما تحدّث فيه سليم وعون في اجتماع الاثنين، تأكيد الوزير اكثر من مرة انه لن يعترف برئيس الاركان الجديد في منصبه. ردّ قائد الجيش انه لم يتدخّل في ما حصل رغم حاجته الى وجود رئيس للأركان الى جانبه، يحل محله في غيابه. ليس خافياً في الاصل ان عودة مرشح عون اولاً. ليس الرجل جنبلاطياً، ولم يرتضِ به الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط سوى من اجل الحؤول دون استمرار شغور المنصب العسكري الاعلى للطائفة في الجيش. المعلوم تقليدياً ان اي ضابط درزي، جنبلاطي او يزبكي، شاءته المختارة او لم تتحمس له او ساءها تعيينه – وذلك ما حدث اكثر من مرة – سيأوي اليها في نهاية النهار على انها مرجعيته الأم.
عدم قانونية تعيين رئيس الاركان معزوٌ الى ان قرار مجلس الوزراء تعمّد تجاوز الوزير في صلاحيتيْ الاقتراح في قانون الدفاع، وتوقيع المرسوم في الدستور.
ما خرجت به جلسة مجلس الوزراء انها عيّنت عودة بقرار على ان يصدر مرسومان بذلك لاحقاً. الى البارحة لم يكن اي من مشروعي المرسومين المنصوص عليهما في الفقرة الثانية في محضر الجلسة قد صدرا «وكالة عن رئيس الجمهورية عملاً بالمادة 62 من الدستور». في الواقع قفز مجلس الوزراء بقراره هذا فوق ثلاثة مراسيم متلازمة:
الاول مرسوم تعيين عودة رئيساً للاركان في مجلس الوزراء باقتراح وزير الدفاع بناء على استطلاع قائد الجيش عملاً بالمادة 21 في قانون الدفاع.
الثاني مرسوم منح عودة أقدمية خمسة اشهر كي يستوفي شروط وجوده في رتبة عميد اربع سنوات عملاً بالمادة 44 في قانون الدفاع شرطاً مُلزماً لاهلية ترقيته الى لواء بناء على اقتراح قائد الجيش وموافقة المجلس العسكري وتوقيع وزير الدفاع.
الثالث مرسوم ترقيته الى لواء. ما حصل انه لم يصدر اولاً، ولا توقيع الوزير ولا انهاء قائد الجيش بَانَا، وبلا بموافقة المجلس العسكري على الترقية وهو صاحب الصلاحية والفاقد النصاب، المتعذَّر التئامه لوجود ثلاثة فقط من اعضائه بينما نصابه خمسة من ستة. اضف ما تنص عليه المادة 47 في قانون الدفاع عن شروط منح الاقدمية «تقديراً لاعمال باهرة قام بها في خلال عمليات حربية او عمليات حفظ الامن او اشتباك مسلح في الداخل».
على نحو كهذا وجد مجلس الوزراء نفسه فجأة يتولى صلاحيات الوزير والقائد والمجلس العسكري. بقراره ابتلع التعيين ثلاثة مراسيم واجبة دفعة واحدة. ذلك ما حمل وزير الدفاع على القول لقائد الجيش في اجتماع الثلثاء: «التعيين المخالف للدستور والقانون لم يصبني انا وحدي. اصابك انت ايضاً».
اما قصة الوزير والقائد امام القضاء المالي، فلا تزال متواصلة فصولاً.